الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة هرب يزيد بن المهلب بإخوته الذين كانوا في سجن الحجاج .

فلحقوا بسليمان بن الملك مستجيرين به من الحجاج ، والوليد بن عبد الملك .

وسبب ذلك وسبب خلاصهم أن الحجاج خرج إلى رستقباذ للبعث ، لأن الأكراد كانوا قد غلبوا على عامة أرض فارس ، فخرج بيزيد وبإخوته المفضل وعبد الملك حتى قدم بهم رستقباذ ، فجعلهم في عسكره ، وجعل عليهم كهيئة الخندق ، وجعلهم في فسطاط قريبا من حجرته ، وجعل عليهم حرسا من أهل الشام ، وأغرمهم ستة آلاف ألف ، وأخذ يعذبهم ، وكان يزيد يصبر صبرا حسنا ، وكان ذلك يغيظ الحجاج ، فبعثوا إلى مروان بن المهلب وهو بالبصرة ليهيئ لهم الخيل ، وصنع يزيد طعاما كثيرا ، فأطعم الحرس وسقاهم ، ولبس يزيد ثياب طباخه ، ووضع على لحيته لحية بيضاء وخرج فرآه بعض الحرس في الليل فقال: كأنه يزيد ، ثم طالعه فقال: هذا الشيخ . وخرج المفضل في أثره ولم يفطن له ، فجاءوا إلى سفن قد هيئوها في البطائح ، وبينهم وبين البصرة ثمانية عشر فرسخا ، فأبطأ عليهم عبد الملك وشغل عنهم ، ثم جاء فركبوا السفن وساروا ليلتهم حتى أصبحوا ، ولما أصبح الحرس علموا بذهابهم ، ورفع ذلك إلى [ ص: 296 ] الحجاج ، ففزع وذهب وهمه إلى أنهم ذهبوا قبل خراسان ، وبعث إلى قتيبة بن مسلم يحذره قدومهم ، ويأمره أن يستعد لهم ، وكان يظن أن يزيد يريد ما أراد ابن الأشعث ، ولما دنا يزيد من البطائح استقبلته الخيل ، قد هيئت له ولأخوته ، فخرجوا عليها ومعهم دليل من كلب ، فأخذ بهم على السماوة ، فنزل يزيد على وهيب بن عبد الرحمن الأزدي ، وكان كريما على سليمان ، فجاء وهيب حتى دخل على سليمان ، فقال: هذا يزيد وإخوته في منزلي وقد أتوا هرابا من الحجاج متعوذين بك ، قال: فأتني بهم فإنهم آمنون ، لا يوصل إليهم أبدا وأنا حي ، فجاء بهم حتى أدخلهم عليه .

وكتب الحجاج: إن آل المهلب خانوا مال الله -عز وجل- وهربوا مني ولحقوا بسليمان ، وكان الوليد قد أمر الناس بالتهيؤ إلى خراسان ظنا منه أن يزيد قد ذهب إلي ثم ، فلما عرف هذا هان عليه الأمر ، وكتب سليمان إلى الوليد: إنما على يزيد ثلاثة آلاف ألف ، والحجاج قد أغرمهم ستة آلاف ألف ، [فأدوا ثلاثة آلاف ألف ، وبقي ثلاثة آلاف ألف] ، فهي علي .

فكتب إليه: لا والله لا أؤمنه حتى تبعث به إلي ، فكتب إليه: لئن أنا بعثت به إليك لأجيئن معه ، فأنشدك الله أن تفضحني ولا تخفرني . فكتب إليه: والله لئن جئتني لا أؤمنه . فقال يزيد: ابعثني إليه ، والله ما أحب أن أوقع بينك وبينه عداوة ، فابعثني وأرسل معي ابنك ، واكتب إليه باللطف . فأرسل معه ابنه أيوب ، فقال: يا أمير المؤمنين ، نفسي فداؤك ، لا تخفر ذمة أبي . فأمنه وعاد إلى سليمان ، فمكث عنده تسعة أشهر وتوفي الحجاج .

التالي السابق


الخدمات العلمية