الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة بنى الوليد مسجد دمشق فأنفق عليه مالا عظيما .

أنبأنا محمد بن ناصر ، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السمرقندي ، قال: أخبرنا [ ص: 286 ] عبد العزيز بن أحمد الكناني ، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن الحسين الدوري ، [قال: حدثنا أبو عمر محمد بن موسى بن فضالة ، قال: حدثنا أبو قصي سعيد بن محمد بن إسحاق العدوي ، قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن ] ، قال: حدثنا الوليد بن مسلم . عن عمرو بن مهاجر ، وكان على بيت مال الوليد بن عبد الملك ، أنهم حسبوا ما أنفق على الكرمة التي في قبلة مسجد دمشق فكانت سبعين ألف دينار .

قال أبو قصي: وحسبوا ما أنفق على مسجد دمشق ، وكان أربعمائة صندوق ، في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار .

قال أبو قصي: وأتاه حرسته فقالوا: يا أمير المؤمنين ، إن أهل دمشق يتحدثون أن الوليد أنفق الأموال في غير حقها ، فنادى: الصلاة جامعة ، وخطب الناس فقال: إنه بلغني حرستي أنكم تقولون إن الوليد أنفق الأموال في غير حقها ، ألا يا عمر بن مهاجر قم فأحضر ما قبلك من الأموال من بيت المال ، قال: فأتت البغال تحمل المال ، وتصب في القبلة على الأنطاع حتى لم يبصر من في الشام من في القبلة ، ولا من في القبلة من في الشام ، وأتت الموازين - يعني القبابين فوزنت الأموال ، وقال لصاحب الديوان:

أحضر من قبلك ممن يأخذ رزقنا ، فوجدوا ثلاثمائة ألف ألف في جميع الأمصار ، وحسبوا ما يصيبهم فوجد عنده رزق ثلاث سنين ، ففرح الناس وكبروا وحمدوا الله -عز وجل- وقال: إلى ما تذهب هذه الثلاث سنين قد أتانا الله بمثله ومثله ، ألا وأني إنما رأيتكم يا أهل الشام تفخرون على الناس بأربع خصال فأحببت أن يكون مسجدكم الخامس ، تفخرون على الناس بمائكم ، وهوائكم ، وفاكهتكم ، وحماماتكم ، فأحببت أن يكون مسجدكم الخامس ، فاحمدوا الله تعالى فانصرفوا وهم شاكرين [داعين] .

وقد حكى محمد بن عبد الملك الهمداني ، أن الجاحظ حكى عن بعض السلف أنه قال: ما يجوز أن يكون أحد أشد شوقا إلى الجنة من أهل دمشق لما يرون من حسن مسجدهم . [ ص: 287 ]

قال: ودخله المأمون ومعه المعتصم ويحيى بن أكثم ، فقال المأمون: أي شيء يعجبكم من هذا المسجد؟ فقال المعتصم: ذهبه فإنا نصنعه فلا تمضي عشرون سنة حتى يتحول ، وهذا بحاله كأن الصانع قد فرغ منه الآن ، فقال: ما أعجبني هذا ، فقال يحيى بن أكثم: الذي أعجبك يا أمير المؤمنين تأليف رخامه فإن فيه عقودا ما يرى مثلها ، قال: كلا ، بل أعجبني أنه شيء على غير مثال شوهد .

قال: وأمر الوليد أن يسقف بالرصاص ، فطلب من كل البلاد ، وبقيت قطعة لم يوجد لها رصاص إلا عند امرأة ، فأبت أن تبيعه إلا بوزنه ذهبا ، فقال: اشتروه منها ولو بوزنه مرتين ، ففعلوا ووزنوا مثله ، فلما قبضته قالت: إني ظننت من صاحبكم أنه يظلم الناس في بنائه فلما رأيت إنصافه رددت الثمن . فلما بلغ ذلك الوليد أمر أن يكتب على صفائح المرأة لله ، ولم يدخله فيما عمله ، وفيما كتب عليه اسمه .

قال محمد بن عبد الملك: وقد قيل إنه أنفق عليه خراج الدنيا ثلاث مرات ، وأنه بلغ ثمن البقل الذي أكله الصناع فيه ستة آلاف دينار ، وكان فيه ستمائة سلسلة ذهب ، فلم يقدر أحد أن يصلي فيه لعظم شعاعها فدخنت .

وعمل هذا الجامع في تسع سنين .

قال: وقال موسى بن حماد البربري: رأيت في مسجد دمشق كتابا بالذهب في الزجاج محفورا عليه سورة "ألهاكم التكاثر" إلى آخرها ، ورأيت جوهرة حمراء ملصقة في قاف المقابر ، فسألت عن ذلك ، فقيل لي: كان للوليد ابنة ولها هذه الجوهرة ، وكانت ابنة نفيسة فماتت ، فأمرت أمها أن تدفن هذه الجوهرة معها في قبرها ، فأمر الوليد بها فصيرت في قاف المقابر من ألهاكم التكاثر ، ثم حلف لأمها أنه قد أودعها في المقابر فسكتت .

التالي السابق


الخدمات العلمية