الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 72 ] 438 - عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ، يكنى أبا العباس:

وأمه لبابة بنت الحارث بن حرب الهلالية أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم .

ولد بمكة في شعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين ، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: "اللهم فقهه في الدين وعلمه الحكمة والتأويل" . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدنيه ويحضره مع شيوخ الصحابة وأهل بدر ويقول له: والله لإنك أصبح فتياننا وجها وأحسنهم عقلا ، وأفقههم في كتاب الله عز وجل . وكان يستشيره ويقول: غص غواص . وكان ابن مسعود يقول: لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عاشره منا أحد ، وقال: نعم ترجمان القرآن ابن عباس .

وقال جابر بن عبد الله حين مات ابن عباس: مات أعلم الناس ، وأحكم الناس .

وقال ابن الحنفية: مات رباني هذه الأمة .

وقال مجاهد: كان ابن عباس يسمى البحر من كثرة علمه .

أخبرنا ابن ناصر ، قال: أخبرنا محمد بن أحمد ، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ ، قال: حدثنا أبو حامد بن جبلة ، قال: حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، قال: حدثنا عبد الله بن عمر الجعفي ، قال: حدثنا يونس بن بكير ، قال: حدثنا أبو حمزة الثمالي ، عن أبي صالح ، قال: لقد رأيت من ابن عباس مجلسا لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها فخرا ، رأيت الناس قد اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق ، فما كان أحد يقدر [على] أن يجيء [ ص: 73 ] ولا أن يذهب ، قال: فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه ، فقال لي: ضع [لي] وضوءا . قال: فتوضأ وجلس وقال: اخرج وقل لهم: من أراد أن يسأل عن القرآن وحروفه وما أراد منه فليدخل . قال: فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثر . ثم قال: إخوانكم ، فخرجوا .

ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن وتأويله فليدخل . قال: فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة ، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثر ، ثم قال: إخوانكم . قال: فخرجوا .

ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل ، فخرجت فقلت لهم . قال: فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثل ما سألوه . ثم قال: إخوانكم قال: فخرجوا .

ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل . قال: فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثل ما سألوه ، ثم قال: إخوانكم . قال: فخرجوا .

ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن العربية والشعر وكلام العرب فليدخل . قال: فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله .

قال أبو صالح: فلو أن قريشا كلها فخرت بذلك لكان فخرا ، فما رأيت مثل هذا لأحد من الناس .

أخبرنا ابن ناصر ، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد ، قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي ، قال: حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثنا إسماعيل يعني ابن علية ، قال: أخبرنا صالح بن رستم ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، قال: [ ص: 74 ] صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة ، فكان إذا نزل قام شطر الليل يرتل ويكثر في ذلك التسبيح .

قال أحمد: وحدثنا معتمر ، عن شعيب ، عن أبي رجاء ، قال: كان هذا الموضوع من ابن عباس -مجرى الدموع- كأنه الشرك البالي .

أخبرنا ابن الحصين ، قال: أخبرنا الأمير أبو محمد المقتدري ، قال: أخبرنا أبو العباس اليشكري ، قال: أخبرنا ابن دريد ، قال: أخبرنا الحسن بن خضر ، عن أبيه ، عمن حدثه عن سليمان بن عمر ، عن رشدين بن كريب ، عن أبيه ، أن ابن عباس كان يقول: ثلاثة لا أكافئهم: رجل ضاق مجلسي فأوسع لي ، ورجل كنت ظمآن فسقاني ، ورجل اغبرت قدماه في الاختلاف إلى بابي ، ورابع لا يقدر على مكافئته ولا يكافئه عني إلا الله عز وجل ، رجل حزبه أمر فبات ليلته ساهرا فلما أصبح لم يجد لحاجته معتمدا غيري .

قال: وكان يقول: إني لأستحي من الرجل يطأ بساطي ثلاث مرات ثم لا يرى عليه أثرا من آثار بري .

توفي ابن عباس بالطائف سنة ثمان وستين ، ويقال: خمس وستين ، ويقال: أربع وستين . والأول أصح .

وكان ابن إحدى وسبعين سنة .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي الحاجب ، قال: أخبرنا حمد بن أحمد ، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله ، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم ، قال: حدثنا محمد بن سليمان البصري ، قال: حدثنا حفص بن عمر الرملي ، قال: حدثنا الفرات بن السائب ، عن ميمون بن مهران ، قال: [ ص: 75 ] شهدت جنازة عبد الله بن عباس بالطائف ، فلما وضع ليصلى عليه جاء طائر أبيض حتى دخل في أكفانه ، فالتمس فلم يوجد ، فلما سوي سمعنا صوتا ولم نر الشخص: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي [89: 27 - 30] .

التالي السابق


الخدمات العلمية