الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة بنى الحجاج واسط القصب

وكان سبب ذلك أن الحجاج ضرب البعث على أهل الكوفة إلى خراسان ، فعسكروا بحمام عمر . وكان فتى من أهل الكوفة حديث عهد بعرس ، فانصرف إلى منزله ليلا ، فإذا سكران من أهل الشام قد طرق الباب ، فقالت المرأة: هذا كل ليلة يأتينا فنلقى منه المكروه ، فلما دخل ضرب الفتى رأسه فأندره ، فلما أصبحوا علم الناس بالقتيل ، فذهبوا به إلى الحجاج ، فسأل المرأة فصدقته ، فقال: قتيل إلى النار ، لا قود له . ثم نادى مناديه: لا ينزلن أحد على أحد ، وبعث روادا يرتادون له منزلا حتى نزل أطراف كسكر . فبينا هو في موضع واسط إذا راهب قد أقبل على حماره ، فلما كان في موضع واسط بالت الأتان ، فنزل الراهب فاحتفر الأرض وحمل التراب فرمى به في دجلة ، فقال الحجاج: علي به ، فجيء به ، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: نجد في كتبنا أنه يبنى في هذا الموضع مسجد يعبد الله -عز وجل- فيه ما دام في الأرض من يوحد ، فبنى المسجد في ذلك الموضع .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن النقور ، قال: أخبرنا الحسين بن هارون الضبي ، قال: في كتاب والدي عن البيهقي ، قال: أخبرني الرياشي ، قال: [ ص: 250 ]

لما فرغ الحجاج من بناء واسط ، قال للحسن البصري بعد فراغه منها: كيف ترى بناءنا هذا؟ قال الحسن: إن الله أخذ عهود العلماء ومواثيقهم أن لا يقولوا إلا الحق ، أما أهل السماء أيها الأمير [فقد] مقتوك ، وأما أهل الأرض [فقد] غروك ، أنفقت مال الله في غير طاعته ، يا عدو نفسه . فنكس الحجاج رأسه حتى خرج الحسن ، ثم قال: يا أهل الشام ، يدخل علي عبيد أهل البصرة ويشتمني في مجلسي ثم لا يكون لذلك معير ولا نكير ، ردوه ، فخرجوا ليردوه ، ودعا بالسيف ليقتله ، فلما دخل الحسن دعا بدعوات لم يتمالك الحجاج أن قربه ورحب به وأجلسه على طنفسته ، ثم دعا بالطيب فغلف لحيته وصرفه مكرما ، فلما خرج من عنده تبعه الحاجب ، وقال: يقول لك الأمير رأيتك تحرك شفتيك وقد كنت هممت بك ، فماذا قلت في دعائك؟ فقال الحسن: قلت: يا عدتي عند كربتي ، ويا صاحبي عند شدتي ، ويا وولي نعمتي ، ويا إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، ويا كهيعص ، بحق طه ويس والقرآن العظيم ارزقني معروف الحجاج ومودته ، واصرف عني أذاه ومعرته ، فقال الحاجب عندها: بخ بخ لهذا الدعاء . وأمر الحجاج بأن يكتب له هذا [الدعاء] .

قال أبو إسحاق البيهقي: قال الرياشي: لقد دعوت بهذه الدعوات في الشدائد مرارا ففرج الله عني .

التالي السابق


الخدمات العلمية