الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

522 - أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار:

أمه أم سليم بنت ملحان . لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ذهبت به أمه إليه ليخدمه .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز ، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري ، قال:

أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: حدثنا الحسين بن الفهم ، [ ص: 304 ] قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا سليمان بن حرب ، قال: حدثنا حماد بن زيد ، عن سنان بن ربيعة ، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: . ذهبت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله خويدمك ادع له ، قال:

"اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه" . قال أنس: فقد دفنت من صلبي مائة غير اثنين - أو قال: مائة واثنين ، وإن ثمرتي لتحمل في السنة مرتين ، ولقد بقيت حتى سئمت الحياة ، وأنا أرجو الرابعة .


قال ابن سعد: وأخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال: حدثنا أبي ، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ، قال: كان كرم أنس يحمل في كل سنة مرتين . وكان أنس يصلي فيطيل القيام حتى تقطر قدماه دما .

قال ابن سعد : وحدثنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الحرمي ، قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، قال: حدثنا ثابت البناني ، قال: شكى قيم لأنس بن مالك في أرضه العطش ، فصلى أنس فدعا ، فثارت سحابة حتى غشيت أرضه فملأت صهريجه ، فأرسل غلامه فقال: انظر أنى بلغت هذه ، فنظر ، فإذا هي لم تعد أرضه .

قال: وأخبرنا يوسف بن العرق ، قال: حدثنا صالح المري ، عن ثابت ، قال:

كان أنس إذا أشفى على ختم القرآن من الليل بقي منه سور حتى يصبح فيختمه عند عياله .

قال: وحدثنا عفان ، قال: حدثنا جعفر بن سليمان ، قال: حدثنا ثابت البناني ، قال: كان أنس إذا ختم القرآن جمع ولده وأهله فدعا لهم .

قال: وأخبرنا عفان ، قال: حدثنا خالد بن أبي عثمان ، قال: حدثنا ثمامة بن [ ص: 305 ] عبد الله بن أنس ، قال: كان أنس إذا صلى المغرب لم يقدر عليه ما بين المغرب والعشاء قائما يصلي .

توفي أنس بالبصرة في هذه السنة وهو ابن تسع وتسعين سنة . وقيل: ابن مائة وسبع سنين ، وهو آخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبصرة ، ورزق مائة ولد ، ولا يعرف في الإسلام من ولد له من صلبه مائة سوى أربعة : أنس بن مالك ، وعبد الله بن عمير الليثي ، وخليفة السعدي ، وجعفر بن سليمان الهاشمي .

523 - إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي ، من تيم الرباب ، يكنى أبا أسماء:

روى عن أبيه ، والحارث بن سويد في آخرين ، فكان عالما عابدا .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد ، قال: حدثنا محمد بن أحمد ، قال حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله ، قال: حدثنا أبي ، قال حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد ، قال: حدثنا عبد الله بن عمر ، قال: حدثنا حفص الواسطي ، قال: حدثنا العوام بن حوشب ، قال:

ما رأيت رجلا قط خيرا من إبراهيم التيمي ، وما رأيته رافعا بصره إلى السماء في صلاة ولا غيرها ، وسمعته يقول: إن الرجل ليظلمه ، فأرحمه .

أخبرنا ابن ناصر ، وابن أبي عمر ، قال: حدثنا رزق الله ، وطراد ، قالا: أخبرنا ابن بشران قال: حدثنا ابن صفوان ، قال: حدثنا أبو بكر ، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أنه سمع سفيان بن عيينة يقول: قال إبراهيم:

مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها ، وأعانق أبكارها ، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها ، وأعالج سلاسلها وأغلالها ، فقلت لنفسي: أي نفسي ، أي شيء تريدين؟ قالت: أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحا قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي . [ ص: 306 ]

أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر ، عن أبي محمد الجوهري ، عن أبي عمر بن حيويه ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا علي بن محمد ، قال: كان سبب حبس إبراهيم التيمي أن الحجاج طلب إبراهيم النخعي ، فجاء الذي يطلبه ، فقال: أريد إبراهيم ، فقال إبراهيم التيمي: أنا إبراهيم ، وهو يعلم أنه أراد النخعي ، فلم يستحل أن يدله عليه ، فجاء به إلى الحجاج فأمر بحبسه ، ولم يكن لهم في الحبس ظل من الشمس ، ولا كن من البرد ، وكان كل اثنين في سلسلة ، فتغير إبراهيم ، فجاءته أمه في الحبس فلم تعرفه حتى كلمها ، فمات في السجن فرأى الحجاج قائلا يقول: مات في هذه الليلة رجل من أهل الجنة ، فلما أصبح قال: هل مات الليلة أحد بواسط؟ قالوا: نعم ، إبراهيم التيمي ، قال: حلم نزعة من نزعات الشيطان ، وأمر به فألقي على الكناسة ، وذلك في هذه السنة .

524 - وضاح اليمن:

أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي ، قال: أخبرنا علي بن محمد العلاف ، قال: أخبرنا عبد الملك بن بشران ، قال: حدثني أحمد بن إبراهيم الكندي ، قال: أخبرنا جعفر بن محمد الخرائطي ، قال: حدثنا محمد بن أحمد ، قال: حدثنا إسحاق بن الضيف ، عن أبي مسهر ، قال:

كان وضاح اليمن نشأ هو وأم البنين صغيرين ، فأحبها وأحبته ، وكان لا يصبر عنها حتى إذا بلغت حجبت عنه ، وطال بهما البلاء ، فحج الوليد بن عبد الملك فبلغه جمال أم البنين وأدبها فتزوجها ونقلها إلى الشام .

قال: فذهب عقل وضاح عليها وجعل يذوب وينحل فلما طال عليه البلاء خرج إلى الشام ، فجعل يطوف بقصر الوليد بن عبد الملك في كل يوم لا يجد حيلة حتى رأى [ ص: 307 ] يوما جارية صفراء ، فما زال حتى أنس بها ، فقال لها: هل تعرفين أم البنين؟ فقالت: إنك تسأل عن مولاتي ، فقال: إنها لابنة عمي ، فإنها تسر بمكاني وموضعي لو أخبرتها ، قالت: إني أخبرها فمضت الجارية فأخبرت أم البنين ، فقالت ويلك ، أحي هو؟ قالت: نعم ، قالت: قولي له كن مكانك حتى يأتيك رسولي . فلن أدع الاحتيال لك ، فاحتالت إلى أن أدخلته إليها في صندوق ، فمكث عندها حينا فإذا أمنت أخرجته ، فقعد معها وإذا خافت عين رقيب أدخلته الصندوق .

فأهدي يوما للوليد بن عبد الملك جوهر ، فقال لبعض خدمه: خذ هذا الجوهر فامض به إلى أم البنين وقل لها: أهدي هذا إلى أمير المؤمنين ، فوجه به إليك .

فدخل الخادم من غير استئذان ووضاح معها ، فلمحه ولم تشعر أم البنين ، فبادر إلى الصندوق فدخله ، فأدى الرسالة ، إليها ، وقال لها: هبي لي من هذا الجوهر حجرا ، فقالت: لا أم لك ، وما تصنع أنت بهذا؟ فخرج وهو عليها حنق فجاء الوليد فخبره الخبر ووصف له الصندوق الذي رآه دخله ، فقال: كذبت ، لا أم لك . ثم نهض الوليد مسرعا فدخل إليها وهي في ذلك البيت وفيه صناديق ، فجاء حتى جلس على ذلك الصندوق الذي وصف له الخادم ، فقال لها: يا أم البنين ، هبي لي صندوقا من صناديقك هذه ، فقالت:

يا أمير المؤمنين ، هي لك وأنا لك فقال لها: ما أريد غير هذا الذي تحتي ، فقالت: يا أمير المؤمنين ، إن فيه شيئا من أمور النساء ، قال: ما أريد غيره ، قالت: هو لك . فأمر به فحمل ودعا بغلامين وأمرهما بحفر بئر ، فحفرا حتى إذا بلغا الماء وضع فمه على الصندوق وقال: أيها الصندوق ، قد بلغنا عنك شيء فإن كان حقا فقد دفنا خبرك ودرسنا أثرك ، وإن كان كذبا فما علينا من دفن صندوق من حرج ، ثم أمر به فألقي في الحفرة ، وأمر بالخادم فقذف في ذلك المكان فوقه ، وطم عليهما المكان . فكانت أم البنين توجد في ذلك المكان تبكي إلى أن وجدت فيه يوما مكبوبة على وجهها ميتة .

وقد روى نحو هذه الحكاية هشام بن محمد بن السائب: أن أم البنين كانت عند يزيد بن عبد الملك ، وإن قصة وضاح اليمن جرت له وهي عند يزيد . [ ص: 308 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية