ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر  
522 - أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار:   
أمه أم سليم بنت ملحان .  لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة  ذهبت به أمه إليه ليخدمه . 
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز ،  قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري ،  قال: 
أخبرنا  ابن حيويه ،  قال: أخبرنا أحمد بن معروف ،  قال: حدثنا الحسين بن الفهم ،   [ ص: 304 ] قال: حدثنا محمد بن سعد ،  قال: أخبرنا  سليمان بن حرب ،  قال: حدثنا  حماد بن زيد ،  عن سنان بن ربيعة ،  قال: سمعت  أنس بن مالك  يقول: . ذهبت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله خويدمك ادع له ، قال: 
"اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه" . قال  أنس:  فقد دفنت من صلبي مائة غير اثنين - أو قال: مائة واثنين ، وإن ثمرتي لتحمل في السنة مرتين ، ولقد بقيت حتى سئمت الحياة ، وأنا أرجو الرابعة . 
قال ابن سعد:  وأخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري ،  قال: حدثنا أبي ، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ،  قال: كان كرم  أنس  يحمل في كل سنة مرتين . وكان  أنس  يصلي فيطيل القيام حتى تقطر قدماه دما . 
قال ابن سعد   : وحدثنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الحرمي ،  قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ،  قال: حدثنا  ثابت البناني ،  قال: شكى قيم لأنس بن مالك  في أرضه العطش ، فصلى  أنس  فدعا ، فثارت سحابة حتى غشيت أرضه فملأت صهريجه ، فأرسل غلامه فقال: انظر أنى بلغت هذه ، فنظر ، فإذا هي لم تعد أرضه . 
قال: وأخبرنا يوسف بن العرق ،  قال: حدثنا  صالح المري ،  عن ثابت ،  قال: 
كان  أنس  إذا أشفى على ختم القرآن من الليل بقي منه سور حتى يصبح فيختمه عند عياله . 
قال: وحدثنا عفان ،  قال: حدثنا جعفر بن سليمان ،  قال: حدثنا  ثابت البناني ،  قال: كان  أنس  إذا ختم القرآن جمع ولده وأهله فدعا لهم . 
قال: وأخبرنا عفان ،  قال: حدثنا خالد بن أبي عثمان ،  قال: حدثنا ثمامة بن  [ ص: 305 ] عبد الله بن أنس ،  قال: كان  أنس  إذا صلى المغرب لم يقدر عليه ما بين المغرب والعشاء قائما يصلي . 
توفي  أنس  بالبصرة  في هذه السنة وهو ابن تسع وتسعين سنة . وقيل: ابن مائة وسبع سنين ، وهو آخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبصرة ،  ورزق مائة ولد ، ولا يعرف في الإسلام من ولد له من صلبه مائة سوى أربعة :  أنس بن مالك ،  وعبد الله بن عمير الليثي ،  وخليفة السعدي ،  وجعفر بن سليمان الهاشمي .  
523 - إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي ،   من تيم الرباب ،  يكنى أبا أسماء:  
روى عن أبيه ، والحارث بن سويد  في آخرين ، فكان عالما عابدا . 
أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد ،  قال: حدثنا محمد بن أحمد ،  قال حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله ،  قال: حدثنا أبي ، قال حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد ،  قال: حدثنا  عبد الله بن عمر ،  قال: حدثنا حفص الواسطي ،  قال: حدثنا  العوام بن حوشب ،  قال: 
ما رأيت رجلا قط خيرا من إبراهيم التيمي ،  وما رأيته رافعا بصره إلى السماء في صلاة ولا غيرها ، وسمعته يقول: إن الرجل ليظلمه ، فأرحمه . 
أخبرنا  ابن ناصر ،  وابن أبي عمر ،  قال: حدثنا رزق الله ،  وطراد ،  قالا: أخبرنا ابن بشران  قال: حدثنا  ابن صفوان ،  قال: حدثنا أبو بكر ،  قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم ،  أنه سمع  سفيان بن عيينة  يقول: قال إبراهيم:  
مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها ، وأعانق أبكارها ، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها ، وأعالج سلاسلها وأغلالها ، فقلت لنفسي: أي نفسي ، أي شيء تريدين؟ قالت: أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحا قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي .  [ ص: 306 ] 
أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر ،  عن أبي محمد الجوهري ،  عن أبي عمر بن حيويه ،  قال: أخبرنا أحمد بن معروف ،  قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ،  قال: حدثنا محمد بن سعد ،  قال: أخبرنا علي بن محمد ،  قال: كان سبب حبس إبراهيم التيمي  أن الحجاج  طلب  إبراهيم النخعي ،  فجاء الذي يطلبه ، فقال: أريد إبراهيم ،  فقال إبراهيم التيمي:  أنا إبراهيم ،  وهو يعلم أنه أراد  النخعي ،  فلم يستحل أن يدله عليه ، فجاء به إلى الحجاج  فأمر بحبسه ، ولم يكن لهم في الحبس ظل من الشمس ، ولا كن من البرد ، وكان كل اثنين في سلسلة ، فتغير إبراهيم ،  فجاءته أمه في الحبس فلم تعرفه حتى كلمها ، فمات في السجن فرأى الحجاج  قائلا يقول: مات في هذه الليلة رجل من أهل الجنة ، فلما أصبح قال: هل مات الليلة أحد بواسط؟  قالوا: نعم ، إبراهيم التيمي ،  قال: حلم نزعة من نزعات الشيطان ، وأمر به فألقي على الكناسة ، وذلك في هذه السنة . 
524 - وضاح اليمن:   
أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي ،  قال: أخبرنا علي بن محمد العلاف ،  قال: أخبرنا عبد الملك بن بشران ،  قال: حدثني أحمد بن إبراهيم الكندي ،  قال: أخبرنا جعفر بن محمد الخرائطي ،  قال: حدثنا محمد بن أحمد ،  قال: حدثنا إسحاق بن الضيف ،  عن أبي مسهر ،  قال: 
كان وضاح اليمن  نشأ هو وأم البنين  صغيرين ، فأحبها وأحبته ، وكان لا يصبر عنها حتى إذا بلغت حجبت عنه ، وطال بهما البلاء ، فحج  الوليد بن عبد الملك  فبلغه جمال أم البنين  وأدبها فتزوجها ونقلها إلى الشام .  
قال: فذهب عقل وضاح  عليها وجعل يذوب وينحل فلما طال عليه البلاء خرج إلى الشام ،  فجعل يطوف بقصر  الوليد بن عبد الملك  في كل يوم لا يجد حيلة حتى رأى  [ ص: 307 ] يوما جارية صفراء ، فما زال حتى أنس بها ، فقال لها: هل تعرفين أم البنين؟  فقالت: إنك تسأل عن مولاتي ، فقال: إنها لابنة عمي ، فإنها تسر بمكاني وموضعي لو أخبرتها ، قالت: إني أخبرها فمضت الجارية فأخبرت أم البنين ،  فقالت ويلك ، أحي هو؟ قالت: نعم ، قالت: قولي له كن مكانك حتى يأتيك رسولي . فلن أدع الاحتيال لك ، فاحتالت إلى أن أدخلته إليها في صندوق ، فمكث عندها حينا فإذا أمنت أخرجته ، فقعد معها وإذا خافت عين رقيب أدخلته الصندوق . 
فأهدي يوما  للوليد بن عبد الملك  جوهر ، فقال لبعض خدمه: خذ هذا الجوهر فامض به إلى أم البنين  وقل لها: أهدي هذا إلى أمير المؤمنين ، فوجه به إليك . 
فدخل الخادم من غير استئذان ووضاح  معها ، فلمحه ولم تشعر أم البنين ،  فبادر إلى الصندوق فدخله ، فأدى الرسالة ، إليها ، وقال لها: هبي لي من هذا الجوهر حجرا ، فقالت: لا أم لك ، وما تصنع أنت بهذا؟ فخرج وهو عليها حنق فجاء الوليد  فخبره الخبر ووصف له الصندوق الذي رآه دخله ، فقال: كذبت ، لا أم لك . ثم نهض الوليد  مسرعا فدخل إليها وهي في ذلك البيت وفيه صناديق ، فجاء حتى جلس على ذلك الصندوق الذي وصف له الخادم ، فقال لها: يا أم البنين ،  هبي لي صندوقا من صناديقك هذه ، فقالت: 
يا أمير المؤمنين ، هي لك وأنا لك فقال لها: ما أريد غير هذا الذي تحتي ، فقالت: يا أمير المؤمنين ، إن فيه شيئا من أمور النساء ، قال: ما أريد غيره ، قالت: هو لك . فأمر به فحمل ودعا بغلامين وأمرهما بحفر بئر ، فحفرا حتى إذا بلغا الماء وضع فمه على الصندوق وقال: أيها الصندوق ، قد بلغنا عنك شيء فإن كان حقا فقد دفنا خبرك ودرسنا أثرك ، وإن كان كذبا فما علينا من دفن صندوق من حرج ، ثم أمر به فألقي في الحفرة ، وأمر بالخادم فقذف في ذلك المكان فوقه ، وطم عليهما المكان . فكانت أم البنين  توجد في ذلك المكان تبكي إلى أن وجدت فيه يوما مكبوبة على وجهها ميتة . 
وقد روى نحو هذه الحكاية هشام بن محمد بن السائب:  أن أم البنين  كانت عند  يزيد بن عبد الملك ،  وإن قصة وضاح اليمن  جرت له وهي عند يزيد .   [ ص: 308 ] 
				
						
						
