الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
413 - حدثنا حبيب بن الحسن ثنا محمد بن يحيى المروزي ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير :

عن عروة بن الزبير قال : جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش بيسير في الحجر ، وكان عمير شيطانا من شياطين قريش ، وممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة ، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى أصحاب بدر ، قال فذكروا أصحاب القليب ومصابهم ، فقال صفوان : والله ما في [ ص: 480 ] العيش خير بعدهم ، فقال له عمير صدقت والله ، أما والله لولا دين علي ليس عندي قضاء له وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله ، فإن لي قبلهم عذرا ، إن ابني أسير في أيديهم ، فاغتنمها صفوان بن أمية وقال : علي دينك ، أنا أقضيه عنك ، وعيالك مع عيالي أمونهم ما بقوا ، لا يسعني شيء ويعجز عنهم ، قال عمير : اكتم علي شأني ، قال : أفعل .

قال ، ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسم ، ثم انطلق حتى قدم المدينة ، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين في المسجد يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله عز وجل به وما أراهم من عدوهم ، إذ نظر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحا السيف ، فقال : هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا بشر ، وهو الذي حرش بيننا وحذرنا يوم بدر ، ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه ، قال : فأدخله ، قال فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه به وقال لرجال ممن كان معه من الأنصار ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا هذا الخبيث فإنه غير مأمون ، ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسله يا عمر ، ادن يا عمير ، فدنا ، ثم قال أنعموا صباحا - وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أكرمنا الله عز وجل بتحية الإسلام [ ص: 481 ] خير من تحيتك يا عمير ، بالسلام ، تحية أهل الجنة ، قال : أما والله يا محمد إن كنت لحديث عهد بها ، فقال : فما ذاك يا عمير ؟ قال : جئتك لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه ، قال : فما بال السيف في عنقك ؟ قال : قبحها الله من سيوف وهل أغنت شيئا ؟ قال اصدقني ما الذي جئت له ؟ قال : ما جئت إلا لذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ، ثم قلت لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا ، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني ، والله حائل بينك وبين ذلك ، قال عمير : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله
، قد كنا نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي ، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ، فوالله إني لأعلم أنه ما أتاك به إلا الله ، فالحمد لله الذي هداني للإسلام ، وساقني هذا المساق ، ثم تشهد بشهادة الحق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقهوا أخاكم في دينه وأقرؤوه القرآن وأطلقوا له أسيره ، قال ففعلوا ، ثم قال : يا رسول الله إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله ، شديد الأذى لمن كان على دين الله ، وإنني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام لعل الله أن يهديهم ، وإلا آذيتهم كما أوذي أصحابك ، قال : فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلحق بمكة ، وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب يقول لقريش : أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر ، وكان صفوان يسأل الركبان حتى قدم راكب فأخبره بإسلامه ، فحلف أن لا يكلمه أبدا ، ولا ينفعه بنفع أبدا ، فلما قدم عمير [ ص: 482 ] مكة أقام بها يدعو إلى الله ، ويؤذي من خالفه إيذاء شديدا ، فأسلم على يديه ناس كثير .


التالي السابق


الخدمات العلمية