الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
547 - حدثنا أبو عمرو بن حمدان قال ثنا الحسن بن سفيان ثنا أبو كريب قال ثنا زيد بن الحباب قال ثنا عبد المؤمن بن خالد الحنفي ثنا عبد الله بن بريدة الأسلمي عن أبي الأسود الدؤلي قال : [ ص: 601 ] قلت لمعاذ بن جبل : أخبرني عن قصة الشيطان ؟ قال : جعلني رسول الله صلى الله عليه وسلم على تمر الصدقة ، فكنت أدخل الغرفة فأجد في التمر نقصانا ، فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الشيطان يأخذ . قال : ودخلت الغرفة وأغلقت الباب علي ، فجاء سواد عظيم فغشي الباب ، ثم دخل من شق الباب ، فتحول في صورة فيل فجعل يأكل فشددت ثوبي على وسطي ، فأخذته فالتقت يداي على وسطه ، وقلت : يا عدو الله ما أدخلك بيتي تأكل التمر ؟ قال : أنا شيخ كبير فقير ذو عيال ، وقد كانت لنا هذه القرية قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم صاحبكم ، فلما بعث أخرجنا منها ، ونحن من جن نصيبين خل عني ، فإني لن أعود إليك ، وجاء جبرئيل عليه السلام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخبره ، فلما صلى الغداة نادى مناديه : أين معاذ ؟ ما فعل أسيرك ؟ فأخبرته ، فقال : أما إنه سيعود إليك ، فجئت الغرفة ليلا ، وأغلقت الباب فجاء فجعل يأكل التمر ، فقبضت يداي عليه فقلت : يا عدو الله ، قال : إني لن أعود إليك بعد ، قال : قد قلت إنك لا تعود ، قال : إني أخبرك بشيء إذا قلته لم يدخل الشيطان البيت لله ما في السماوات وما في الأرض إلى آخر السورة .

وقد تقدم ذكر قصة عمر رضي الله عنه مع الشيطان .

فإن قلت : فإن سليمان كان يسخر الشيطان لأمور الدنيا فكانوا [ ص: 602 ] يعملون له - كما ذكر الله - ما يشاء من محاريب وتماثيل في قلل الجبال وبطون الأودية والبحار .

فالقول فيه : إن النبي صلى الله عليه وسلم لو تمنى تسخيرهم لما امتنعوا عليه ، ولكن اختار العبودية مع النبوة لما خيره الله عز وجل بين أن يكون ملكا رسولا أو عبدا نبيا ، فأكب الدنيا على وجهها وزهد فيها ، فسخرت له غير أهلها ، فكانت الملائكة المقربون أنصاره وأعوانه وأناسه ، يقاتلون بين يديه في الحروب كفاحا ، ويمنعون عنه ، ويدافعون دونه ؛ وضرب له جبرئيل بجناحيه لما توفي النجاشي الجبال ، حتى قام فصلى عليه هو وأصحابه وهو ينظر إليه ، وكذلك لما توفي معاوية بن معاوية ضرب بجناحيه ، رفع له جنازة معاوية حتى نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم .

وأما منع جبرئيل عليه السلام ودفعه عنه صلى الله عليه وسلم لما تواعدت قريش على أخذه وحبسه .

548 - فحدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال ثنا عبد الله بن قحطبة قال ثنا الحسن بن قزعة قال ثنا مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند :

عن قيس بن جبير قال : قالت ابنة ابن الحكم قلت لجدي الحكم : ما رأيت قوما كانوا أعجز منكم ، ولا أسوأ رأيا يا بني أمية في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا تلومينا يا بنية ، إني لا أحدثك إلا ما رأيت بعيني هاتين ، فإنا والله ما نزال نسمع قريشا تعلي أصواتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في [ ص: 603 ] هذا المسجد ، تواعدوا له حتى يأخذوه ، قال : فتواعدنا له ، فجئنا إليه لنأخذه ، فسمعنا صوتا ، ما ظننا أنه بقي بتهامة جبل إلا تفتت ، قال : فغشي علينا ، فما عقلنا حتى قضى صلاته ، ثم رجع إليه أهله ، ثم تواعدنا له ليلة أخرى ، فلما جاء نهضنا إليه ، فجاء الصفا والمروة حتى التقتا إحداهما بالأخرى فحالتا بيننا وبينه ، فوالله ما نفعنا ذلك ، حتى رزقنا الله الإسلام ، وأذن لنا فيه .

وكذلك قصة أبي جهل مرة أخرى ، حلف ليطأن على رقبته إن رآه مصليا ، فنكص على عقبيه وقال : رأيت بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ، فأنزل الله عز وجل سندع الزبانية فالجن عملت لسليمان مع كفرهم أمور الدنيا ، لأنها منتنة ومقترحة ودعوبة وعملت الملائكة للنبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان ، فلم يستعص عليه منهم أحد ، كما قال الله عز وجل إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين وقال تعالى إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين فما أيد الله تعالى نبيا قبله بالملائكة غير محمد صلى الله عليه وسلم ، فقاتلت معه يوم بدر كفاحا ، كقتال الناس وذلك قوله تعالى إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان .

فلما نزلت الملائكة يوم بدر للقتال قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وهو معه في العريش ليس معه غيره : أبشر يا أبا بكر ، أتاك الله بالنصر ، هذا جبرئيل [ ص: 604 ] آخذ بعنان فرسه يقوده وعلى ثناياه النقع .

وما أخبر الغفاري الكافر المنتظر الدبرة فقال : بينا أنا في الجبل إذ دنت سحابة سمعت فيها حمحمة الخيل ، وسمعت قائلا يقول : أقدم حيزوم .

وما قاله أبو أسيد الساعدي بعدما ذهب بصره : لو كنت ببدر وكان معي بصري أريتكم الشعب الذي خرجت علينا منه الملائكة ، عيانا لا أشك ولا أتمارى .

وقال أبو داود المازني - شهد بدرا - إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أن غيري قتله .

وأتاه جبرئيل لما انصرف من الخندق يوم الأحزاب فقال له عذيرك من محارب ، ألا أراك قد وضعت لأمتك ولم نضعها ، إنها إلى بني قريظة ، وقد تقدم ذلك ، كلها بأسانيدها في مواضعها .

التالي السابق


الخدمات العلمية