الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6 - حدثنا سليمان بن أحمد ، قال : ثنا بكر بن سهل ، قال : ثنا عبد العزيز بن سعيد ، قال : ثنا موسى بن عبد الرحمن ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، وعن مقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس رضي الله عنه : لا تقولوا راعنا ، وذلك أنها سبة بلغة اليهود ، وقال : وقولوا انظرنا يريد : اسمعنا ، فقال المؤمنون بعدها : من سمعتموه يقولها فاضربوا عنقه ، فانتهت اليهود بعد ذلك .

ومن فضائله : أن من تقدمه من الأنبياء عليهم السلام كانوا يدفعون ويردون عن أنفسهم ما قرفهم به مكذبوهم من السفه والضلال والكذب ، وتولى الله عز وجل ذلك عن رسوله صلى الله عليه وسلم .

فقال فيما أخبر عن قوم نوح : إنا لنراك في ضلال مبين ، فقال دافعا عن نفسه : يا قوم ليس بي ضلالة ، وقولهم لهود عليه السلام : إنا لنراك في سفاهة ، فقال نافيا عن نفسه ما نسبوه إليه : يا قوم ليس بي سفاهة . وقال فرعون لموسى : إني لأظنك يا موسى مسحورا ، فقال موسى مجيبا له : وإني لأظنك يا فرعون مثبورا . [ ص: 45 ]

فنزه الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم عما نسبوه إليه ؛ تشريفا له وتعظيما فقال : ما أنت بنعمة ربك بمجنون ، وقال : وما علمناه الشعر وما ينبغي له ، وقال : ما ضل صاحبكم وما غوى ، وبرأه الله من كل ما رموه به من السحر والكهانة والجنون فقال : أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ، وذب الله عن استهزائهم بقولهم له : هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق ، فقال الله تعالى : بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد .

ومن فضائله : أن الله خاطب داود عليه السلام بأن لا تتبع الهوى ، فقال : يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ، فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله .

وأخبر الله تعالى عن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أقسم بمساقط النجوم وطوالعها ونزول القرآن ومواقعه أنه لا ينطق عن الهوى ، فقال : وما ينطق عن الهوى ؛ تبرئة له ، وتنزيها عن متابعة الهوى .

ومن فضائله : أن كل نبي ذكر الله تعالى حاله ، وأنه غفر له ما كان منه ، نص عليه ، فقال في قصة موسى : رب إني قتلت منهم نفسا ، وقال : إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له ، فنص على ذنبه ، وسأل ربه المغفرة ، وأخبر عن داود إذ تسور عليه الملكان فقال : إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ، فذكر الظلم والبغي فقال : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض ، [ ص: 46 ] فقال : وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك ، ونص على زللهم وخطاياهم .

وأخبر عن غفرانه لنبيه عليه السلام ولم ينص على شيء من زلله إكراما له وتشريفا فقال : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فهذا غاية الفضل والشرف .

ومن فضائله : أخذ الله الميثاق على جميع أنبيائه ، إن جاءهم رسول آمنوا به ونصروه ، فلم يكن ليدرك أحد منهم الرسول إلا وجب عليه الإيمان به والنصرة له لأخذ الميثاق منه ، فجعلهم كلهم أتباعا له يلزمهم الانقياد والطاعة له لو أدركوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية