الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
97 - فحدثني عبد الصمد بن محمد السعدي ، عن أبيه ، عن جده قال : [ ص: 160 ] حدثني بعض من كان يرعى غنم حليمة : إنهم كانوا يرون غنما لها ما ترفع رؤوسها ، ويرى الخضر في أفواهها وأبعارها ، وما تزيد غنمنا على أن تربض ، ما تجد عودا تأكله ، فتروح الغنم أغرث منها حين غدت ، وتروح غنم حليمة يخاف عليها الحبط .

قالوا : فمكث سنتين صلى الله عليه وسلم حتى فطم ، فكأنه ابن أربع سنين ، فقدموا به على أمه زائرين لها وهم أحرص شيء على مكانه ؛ لما رأوا من عظم بركته ، فلما كانوا بوادي السرر لقيت نفرا من الحبشة وهم خارجون منها ، فرافقتهم ، فسألوها ، فنظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا شديدا ، ثم نظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، وإلى حمرة في عينيه ، فقالوا : يشتكي أبدا عينيه ؟ للحمرة التي فيها ، قالت : لا ، ولكن هذه الحمرة لا تفارقه ، فقالوا : هذا والله نبي ، فغالبوها عليه فخافتهم ، أن يغلبوها ، فمنعه الله عز وجل ، فدخلت به على أمه وأخبرتها بخبره وما رأوا من بركته وخبر الحبشة ، فقالت آمنة : ارجعي بابني ؛ فإني أخاف عليه وباء مكة ، فوالله ليكونن له شأن ، فرجعت به .

وقام سوق ذي المجاز ، فحضرت به ، وبها يومئذ عراف من هوازن يؤتى إليه بالصبيان ينظر إليهم ، فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الحمرة في عينيه ، وإلى خاتم النبوة ؛ صاح : يا معشر العرب فاجتمع إليه أهل [ ص: 161 ] الموسم قال : اقتلوا هذا الصبي ، فانسلت به حليمة ، فجعل الناس يقولون : أي صبي هو ؟ فيقول : هذا الصبي ، فلا يرون شيئا ، قد انطلقت به أمه ، فيقال له : ما هو ؟ فيقول : رأيت غلاما ، وآلهته ليغلبن أهل دينكم ، وليكسرن أصنامكم ، وليظهرن أمره عليكم ، فطلب بعكاظ فلم يوجد ، ورجعت به حليمة إلى منزلها ، فكانت لا تعرضه لأحد من الناس ، وقد نزل بهم عراف فأخرج إليه الصبيان أهل الحاضر ، وأبت حليمة أن تخرجه إليه ، إلى أن غفلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج من الظلة ، فرآه العراف ، فدعاه ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل الخيمة ، فجهد بهم العراف أن يخرج إليه فأبت ، فقال : هذا نبي ، هذا نبي .

فلما بلغ أربع سنين كان يغدو مع أخيه وأخته في البهم قريبا من الحي ، قال : فبينما هو يوما مع أخيه في البهم إذ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذته غمية ، فجعل يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجيبه ، فخرج الغلام يصيح بأمه : أدركي أخي القرشي ، فخرجت أمه تعدو ومعها أبوه ، فيجدان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا منتقع اللون ، فسألت أمه أخاه : ما رأيت ؟ قال : طائرين أبيضين فوقنا ، فقال أحدهما : أهو هو ؟ قال : نعم ، فأخذاه فاستلقياه على ظهره ، فشقا بطنه ، فأخرجا ما كان في بطنه ، ثم قال أحدهما : ائتني بماء ثلج ، فجاء به فغسل بطنه ، ثم قال : ائتني بماء ورد ، فجاء فغسل بطنه ، ثم أعاده كما هو ، قال : فلما رأى أبوه ما أصابه شاورت أمه أباه وقالت : نرى أن نرده إلى أمه ، إنا نخاف [ ص: 162 ] أن يصيبه عندنا ما هو أشد من هذا ، فنرده إلى أمه فيعالج ، فإني أخاف أن يكون به لمم ، فقال أبوه : لا والله ما به لمم ، إن هذا أعظم مولود رآه أحد بركة ، والله إن أصابه ما أصابه إلا حسدا من آل فلان ، لما يرون من عظم بركته مذ كان بين أظهرنا يا حليمة ، قالت : إني أخاف عليه ، فنزلت به إلى أمه فذكرت من بركته وخيره ، ولكنه قد كان من شأنه ، فأخبرتها خبره .

قال ابن عباس : رجع إلى أمه وهو ابن خمس سنين . وكان غيره يقول : رد إلى أمه وهو ابن أربع سنين ، وكان معها إلى أن بلغ ست سنين .

التالي السابق


الخدمات العلمية