الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
428 - قال محمد بن عمر حدثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال :

لما أخرجت بنو النضير من المدينة أقبل عمرو بن سعدى فأطاف بمنازلهم فرأى خرابا ، فتفكر ثم رجع إلى بني قريظة فوجدهم في الكنيسة في صلاتهم ، قد نفخ في بوقهم ، فاجتمعوا ، فقال الزبير بن باطا : أين كنت يا أبا سعد ؟ منذ اليوم لم نرك - وكان لا يفارق الكنيسة ، وكان يتأله في اليهود - .

قال : رأيت اليوم عبرا قد عبرنا بها ، رأيت دورا خالية خرابا بعد العز والجد والشرف والرأي الفاضل والعقل البارع ، وقد تركوا أموالهم وملكها غيرهم ، وخرجوا خروج ذل ، فلا والتوراة ما سلط الله على قوم هذا أبدا وله بهم حاجة ، وقد أوقع بابن الأشرف بياتا في بيته ، وأوقع بابني شيبة سيرهم وأنجزهم وأحذرهم ، وأوقع ببني قينقاع وأجلاهم ، جد اليهود ، وكانوا أهل عدة وسلاح ونجدة ، يا قوم أطيعوني ، فقد رأيتم ما رأيتم ، تعالوا نتبع محمدا ، والله إنكم لتعلمون أنه نبي قد بشرنا به علماؤنا ابن الهيبان [ ص: 497 ] وأبو عمير بن جواس وهما أعلم اليهود ، جاءا من بيت المقدس يتوكفان قدومه ، ثم أمرانا باتباعه وأن نقرئه منهما السلام ، ثم ماتا على دينهما ، ودفناهما في حرتنا هذه ، قال ، فأسكت القوم لا يتكلم منهم أحد ، فأعاد الكلام أو نحوه ، وخوفهم الحرب والسبي والجلاء .

فقال الزبير بن باطا : قد قرأت التوراة ورأيت صفته في كتاب باطا التوراة التي أنزلت على موسى ، ليس في المثاني التي أحدثنا .

قال : فقال له كعب بن أسيد فما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتباعه ؟

قال : أنت ؟ !

قال : ولم ؟ والتوراة ما حلت بينك وبينه قط .

قال الزبير : أنت صاحب عهدنا وعقدنا ، فإن اتبعته اتبعناك وإن أبيت أبينا .

قال ، فأقبل عمرو بن سعدى على كعب فقال أما والتوراة التي نزلت على موسى يوم طور سيناء إنه للعز والشرف في الدنيا ، وإنه لعلى منهاج موسى ، وينزل معه وأمته في منزله غدا في الجنة ، قال كعب : نقيم على عهدنا وعقدنا لا يخفر لنا محمد ذمته ، وننظر ما يصنع حيي ، فقد أخرج إخراج ذل وصغار ، فلا أراه يقر حتى يغزو محمدا ، وإن ظفر بمحمد و ما أردنا ، أقمنا على ديننا ، وإن ظفر بحيي فما في العيش خير بعده .

[ ص: 498 ] قال عمرو بن سعدى : ولم تؤخر الأمر وهو مقبل ؟

قال كعب : ما على هذا فوت ، متى أردت هذا من محمد أجابني إليه .

قال عمرو : بلى والتوراة إن عليه لفوتا ، إذا سار إلينا محمد لتحصنا في حصوننا هذه التي جذعتنا ، فلا نفارق حصوننا حتى ننزل على حكمه ، فيضرب أعناقنا .

قال كعب بن أسد : ما عندي في أمره إلا ما قلت ، ما تطيب نفسي أن أصير تابعا لقول هذا الإسرائيلي ، لا يعرف فضل النبوة ولا قدر الفعال .

قال ، قال عمرو بن سعدى : بلى ليعرفن ذلك .

قال ، فهم على ذلك لم يرعهم إلا مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حلت بساحتهم ، فقال : هذا الذي قلتم .

قال الشيخ : وإنما سقنا هذه الأقاصيص ليعلم ما اشتهر عند علماء اليهود من صفته في التوراة التي لم تغير ولم تبدل ، وإن ذلك دلالة على بطلان ما في أيديهم من التوراة اليوم من الأشياء المستحيلة ، وتسميتهم التي في أيديهم أنها المثاني المبدلة المحرفة ، وفيه أيضا : ما أطلع الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم من غدر اليهود ، وعصمة الله عز وجل من القتل الذي كانوا هموا به .

التالي السابق


الخدمات العلمية