الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
541 - حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا أبو يعلى ثنا محمد بن بكار ثنا أبو معشر عن سعيد يعني المقبري عن عائشة رضي الله عنها قالت :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب ، [ ص: 596 ] جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة فقال : إن ربك عز وجل يقرأ عليك السلام إن شئت عبدا نبيا ، وإن شئت نبيا ملكا ، فنظرت إلى جبرئيل فأشار إلي : أن ضع نفسك ، فقلت : نبيا عبدا .

فإن قيل : فإن سليمان سخرت له الرياح ، فسارت به في بلاد الله ، وكان غدوها شهرا ورواحها شهرا .

قلنا : أعطي محمد صلى الله عليه وسلم أعظم وأكثر منه لأنه سار في ليلة واحدة من مكة إلى بيت المقدس ، مسيرة شهر ، وعرج به إلى ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف سنة ، في أقل من ثلث ليلة ، فدخل السماوات سماء سماء ، ورأى عجائبها ، ووقف على الجنة والنار ، وعرضت عليه أعمال أمته ، وصلى بالأنبياء وبملائكة السماء ، وخرق الحجب ، ودلي له الرفرف الأخضر فتدلى ، وأوحى إليه رب العالمين ما أوحى ، وأعطاه خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش ، وعهد إليه أن يظهر دينه على الأديان كلها ، حتى لا يبقى في شرق الأرض وغربها إلا دينه ، أو يؤدون إليه وإلى أهل دينه الجزية عن صغار ، وفرض عليه الصلوات الخمس ، ولقيموسى وسأله عن مراجعته ربه في تخفيفه عن أمته ؛ هذا كله في ليلة واحدة .

فإن قيل : فإن سليمان كانت تأتيه الجن ، وإنها كانت تعتاص عليه ، حتى يصفدها ويقيدها .

قيل : فإن محمدا صلى الله عليه وسلم كانت الجن تأتيه راغبة إليه ، طائعة له ، معظمة لشأنه ، ومصدقة له ، مؤمنة به ، متبعة لأمره ، متضرعة له ، مستمدين منه ، [ ص: 597 ] ومستمنحين له زادهم ومأكلهم ، فجعل كل روثة يصيبونها تعود علفا لدوابهم ، وكل عظم يعود طعاما لهم ، وصرفت لنبوته أشراف الجن وعظماؤهم التسعة الذين وصفهم الله تعالى فقال وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن الآية وقوله قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن إلى قوله لن يبعث الله أحدا وأقبلت إليه صلى الله عليه وسلم الألوف منهم مبايعين له على الصوم والصلاة والنصح للمسلمين ، واعتذروا بأنهم قالوا على الله شططا . فسبحان من سخرها لنبوته صلى الله عليه وسلم بعد أن كانت شرارا تزعم أن لله ولدا ، فلقد شمل مبعثه من الجن والإنس ما لا يحصى .

هذا أفضل مما أعطي سليمان عليه السلام ، وقد تقدم ذكر هذا وبيانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية