الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
554 - حدثنا سليمان بن أحمد قال ثنا محمد بن عبدة المصيصي قال ثنا صبيح بن عبد الله الفرغاني قال ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي عن جعفر بن محمد عن أبيه وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :

كان عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه مثل اللؤلؤ ، أطيب من المسك الأذفر ، وكان أحسن الناس وجها ، وأنورهم لونا ، لم يصفه واصف قال : بمعنى صفته إلا شبه وجهه بالقمر ليلة البدر .

يقول هند : في أعيننا أحسن من القمر .

القول فيما أوتي يحيى بن زكريا عليه السلام :

فإن قيل : إن يحيى أوتي الحكم صبيا ، وكان يبكي من غير ذنب ، وكان يواصل الصوم . [ ص: 608 ]

قلنا : قد أعطي محمد أفضل من هذا ، لأن يحيى لم يكن في عصر الأوثان والأصنام والجاهلية ، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان في عصر أوثان وجاهلية ، فأوتي الفهم والحكم صبيا بين عبدة الأوثان ، وحزب الشيطان ، فما رغب لهم في صنم قط ، ولا شهد معهم عيدا ، ولم يسمع منه قط كذب ، وكانوا يعدونه صدوقا ، أمينا ، حليما ، رؤوفا ، رحيما . وكان يواصل الأسبوع صوما فيقول : " إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني " وكان صلى الله عليه وسلم يبكي حتى يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء .

فإن قيل : فقد أثنى الله على يحيى فقال وسيدا وحصورا والحصور : الذي لا يأتي النساء .

قلنا : إن يحيى كان نبيا ولم يكن مبعوثا إلى قومه ، وكان منفردا بمراعاة شأنه ، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم رسولا إلى كافة الناس ليقودهم ويحوشهم إلى الله عز وجل قولا وفعلا ، فأظهر الله تعالى به الأحوال المختلفة ، والمقامات العالية المتفاوتة ، في متصرفاته ليقتدي كل الخلق بأفعاله وأوصافه ، فاقتدى به الصديقون في جلالتهم ، والشهداء في مراتبهم ، والصالحون في اختلاف أحوالهم ، ليأخذ العالي والداني والمتوسط والمكين من فعاله قسطا وحظا ، إذ النكاح من أعظم حظوظ النفس وأبلغ الشهوات ، فأمر بالنكاح ، وحث عليه لما جبل الله عليه النفوس ، وأباح ذلك لهم ليتحصنوا به من السفاح ، فشاركوه صلى الله عليه وسلم في ظاهره ، وشملهم الاسم معه ، وانفرد عن مساواته معهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " تزوجوا فإني مكاثر بكم [ ص: 609 ] الأمم " فإن غلب عليه وعلى قلبه ما أفرده الحق به من قوله : " وجعلت قرة عيني في الصلاة " تلطف عليه السلام في مرضاته فقال لعائشة : ائذني لي أتعبد في هذه الليلة ، فقالت : إني لأحب قربك وأحب هواك ، فقام إلى الصلاة إلى الصباح راكعا وساجدا وباكيا ، وربما خرج إلى البقيع فتعبد فيها ، ويزور أهلها ، وربما قام ليلة بآية إلى الصباح يرددها كالمناجي إن تعذبهم فإنهم عبادك فكانت نسبته عن أحكام البشرية وداعي النفس ممحوة عند انشقاق صدره لما حشوه بالإيمان والحكمة ، الذي وزن به أمته ، فرجح بهم ، هذا مع ما أنزل الله من السكينة عليه وعلى قلبه صلى الله عليه وسلم .

القول فيما أوتي عيسى عليه السلام :

كل فضيلة أوتي عيسى عليه السلام فقد أوتيها نبينا صلى الله عليه وسلم وإنها لم ينكرها المتدبر ، مع ما أطلعه الله عليه ، خصوصا من الغيوب التي لم يطلع عليها غيره ومن الفتن الكائنات التي لم يخبر بها سواه من المرسلين .

فإن قيل : إن عيسى خص بأن أرسل الروح الأمين إلى أمه فتمثل لها بشرا سويا وقال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا إلى آخر الآيات ، وأشارت إليه فنطق في المهد قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا فكان آية للعالمين ، ومثلا في الآخرين ولم يذكر لأحد من الأنبياء شيء مثله .

فالقول في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطي ضروبا من هذه الآيات وأمثالها الدالة على مولده ، وبشرت به آمنة ، وما ظهر لها من الآيات عند وضعها : [ ص: 610 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية