الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
563 - في حديث آخر : " لكل نبي حواري ، وحواريي الزبير " .

فإن قيل : فإن عيسى ابن مريم كان سياحا جوابا للقفار والبراري .

كذلك كان سياحة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم ، وأكثر ، الجهاد ، فاستنفد في عشر سنين ما لا يعد من حاضر وباد ، وافتتح القبائل الكثيرة صلى الله عليه وسلم من مبعوث بالسيف ، لا يوري بالكلام ، ومجاهد في سبيل الله لا ينام إلا على دم ، ولا مستقرا إلا متجهزا لقتال الأعداء ، وباعثا إليهم سرية في إقامة الدين ، وإعلاء الدعوة وإبلاغ الرسالة .

فإن قيل : فإن عيسى كان زاهدا ، يقنعه اليسير ، ويرضيه القليل خرج من الدنيا كفافا لا له ولا عليه .

قلنا : إن محمدا صلى الله عليه وسلم أزهد الأنبياء ، كالثلاثة عشر . . . من يطيف به ، فما رفعت مائدته قط وعليها طعام ، ولا شبع من خبز بر ثلاث ليال متواليات ، وكان يربط الحجر على بطنه ، لباسه الصوف ، وفراشه إهاب شاة ، ووسادته من أدم حشوها ليف ، يأتي عليه الشهران والثلاثة لا يوقد في بيته نار المصباح . توفي ودرعه مرهونة ، لم يترك صفراء ولا بيضاء ، مع ما عرض عليه من مفاتيح خزائن الأرض ، ووطئ له من البلاد ، ومنح من غنائم العباد ، فكان يقسم في اليوم الواحد ثلاثمائة [ ص: 624 ] ألف ، ويعطي الرجل مائة من الإبل والخمس ، ويعطي ما بين الجبلين من الأغنام ، ويمسي ويأتيه السائل فيقول : " والذي بعثك بالحق ما أمسى في آل محمد صاع من شعير ولا من تمر ، أجوع يوما وأشبع يوما ، فإذا جعت تضرعت ، وإذا شبعت حمدت " وكيف لا يكون ذلك لمن عظمه الله فقال تعالى وإنك لعلى خلق عظيم .

فإن قيل : فإن عيسى عليه السلام رفع إلى السماء .

قلنا : قد عرض على محمد صلى الله عليه وسلم البقاء عند وفاته ، فاختار ما عند الله وقربه على البقاء في الدنيا ، فقبضه الله ورفع روحه إليه ، ولو اختار البقاء في الدنيا لكان كالخضر وإلياس وعيسى عليهم السلام عند الله في سماواته ، وفي عالمه في أرضه ، لأن عيسى مقيم في السماء ، وإلياس والخضر يجولان في السماوات والأرضين ، مع أن قوما من أمة نبينا صلى الله عليه وسلم رفعوا كما رفع عيسى عليه السلام ، وذلك رفع عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق والناس ينظرون ، ودفن العلاء بن الحضرمي ، ومات في خلافة أبي بكر باليمن في أرض العدو ، فخافوا أن ينبش قبره ويستخرج فذهبوا يطلبونه لينقل من أرض العدو في يومهم الذي دفنوه فيه ، فلم يقدروا عليه ولا يدرى أين ذهب به .

التالي السابق


الخدمات العلمية