الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          6788 - (ت) : يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن بن سمعان [ ص: 208 ] ابن مشنج بن عبد عمرو بن عبد العزى بن أكثم بن صيفي بن شريف بن محاسن بن ذي الأعواد بن معاوية بن رياح بن أسيد بن عمرو بن تميم بن مر بن أد بن طابخة التميمي الأسيدي ، أبو محمد المروزي ، نزيل بغداد ، ولاه المأمون القضاء بها .

                                                                          روى عن : جرير بن عبد الحميد (ت) ، والحارث بن مرة الحنفي ، وحفص بن عبد الرحمن النيسابوري ، وأبي توبة الربيع بن نافع الحلبي ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الله بن إدريس (ت) ، وأبي صالح عبد الله بن صالح المصري ، وعبد الله بن المبارك ، وأبي العباس عبد الله بن هارون ، المأمون أمير المؤمنين ، وعبد العزيز بن أبي حازم (ت) ، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وعلي بن عياش الحمصي ، وعيسى بن يونس (ت) ، والفضل بن موسى السيناني (ت) ، ومحمد بن جعفر غندر ، ومحمد بن عبيد الطنافسي ، ومهران بن أبي عمر الرازي ، وموسى بن داود الضبي ، ووكيع بن الجراح ، ويحيى بن سعيد القطان ، ويحيى بن الضريس الرازي ، وأبي بكر بن عياش .

                                                                          روى عنه : الترمذي وإبراهيم بن أبي طالب النيسابوري ، وإبراهيم بن محمد بن الحسن ابن متويه الأصبهاني ، وأبو عيسى أحمد بن محمد بن موسى ابن العراد البغدادي البزاز ، وإسماعيل [ ص: 209 ] ابن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد القاضي ، وأبو علي الحسين بن أحمد بن عبد الله المالكي البغدادي ، والحسين بن أحمد النسائي ، وحماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد ، وأبو الزنباع روح بن الفرج القطان المصري ، وأبو داود سليمان بن معبد السنجي ، وأبو الأزهر صدقة بن منصور الكندي الحراني ، وعبد الله بن محمود السعدي المروزي ، وعلي بن خشرم المروزي وهو من أقرانه ، والفضل بن محمد الشعراني ، والقاسم بن محمد بن عبد الرحمن الجدي ، ومحمد بن إبراهيم البرتي ، وأبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ، ومحمد بن إسحاق السراج ، ومحمد بن إسماعيل البخاري في غير " الجامع " ، ومحمد بن إسماعيل العلوي ، ومحمد بن علي بن الحسن بن شقيق .

                                                                          قال أبو مزاحم الخاقاني ، عن عمه عبد الرحمن : سألت أحمد بن حنبل عن يحيى بن أكثم فقال : ما عرفناه ببدعة .

                                                                          وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : ذكر يحيى بن أكثم عند أبي ، فقال : ما عرفت فيه بدعة ، فبلغت يحيى بن أكثم ، فقال : صدق أبو عبد الله ، ما عرفني ببدعة قط .

                                                                          قال : وذكر له ما يرميه الناس ، فقال : سبحان الله ! سبحان الله ! ومن يقول هذا . وأنكر ذلك إنكارا شديدا .

                                                                          وقال علي بن الحسين بن حبان : وجدت في كتاب أبي بخط [ ص: 210 ] يده : قال أبو زكريا - يعني يحيى بن معين - : قال لي أحمد بن خاقان أخو يحيى بن خاقان : كان يحيى بن أكثم رفيقي بالكوفة ، فما سمع من حفص بن غياث إلا عشرة أحاديث ، فنسخ أحاديث حفص كلها ثم جاء بها معه إلى البيت . قال : وقال أبو زكريا : سمعت يحيى بن أكثم يقول : سمعت من ابن المبارك عن يونس الأيلي أربعة آلاف حديث أملى علينا ابن المبارك إملاء . قال أبو زكريا : ولا والله ما سمع ابن المبارك من يونس ألف حديث .

                                                                          وقال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي : سمعت يحيى بن معين يقول : يحيى بن أكثم كان يكذب ، جاء إلى مصر وأنا بها مقيم سنتين وأشهرا ، فبعث يحيى بن أكثم فاشترى كتب الوراقين أصولهم فقال : أجيزوها لي .

                                                                          وقال زكريا بن يحيى الساجي ، عن عبد الله بن إسحاق الجوهري : سمعت أبا عاصم يقول : يحيى بن أكثم كتاب .

                                                                          وقال إسماعيل بن محمد الصفار ، عن أبي العيناء : كنت في مجلس أبي عاصم النبيل ، وكان أبو بكر بن يحيى بن أكثم حاضرا ، فنازع غلاما فارتفع الصوت فقال أبو عاصم : مهيم . فقالوا : هذا أبو بكر بن يحيى بن أكثم ينازع غلاما . فقال : إن يسرق فقد سرق أب له من قبل .

                                                                          وقال محمد بن مخلد الدوري ، عن مسلم بن الحجاج : سمعت إسحاق بن راهويه يقول : ذلك الدجال ، يعني يحيى بن [ ص: 211 ] أكثم ، يحدث عن ابن المبارك .

                                                                          وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي عنه ، قلت : ما تقول فيه ؟ قال : فيه نظر . قلت فما ترى فيه ؟ قال : نسأل الله السلامة . قال : وسمعت علي بن الحسين بن الجنيد يقول : كانوا لا يشكون أن يحيى بن أكثم كان يسرق حديث الناس ويجعله لنفسه .

                                                                          وقال أبو الحسين محمد بن طالب بن علي : سألت أبا علي صالح بن محمد البغدادي عن يحيى بن أكثم . قلت : أكان يكتب عنه ؟ فقال : نعم ، كان عنده حديث كثير ، إلا أني لم أكتب عنه ، وذاك إنه كان يحدث عن عبد الله بن إدريس بأحاديث لم يسمعها منه .

                                                                          وقال أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه : سئل صالح بن محمد عن حديث يحيى بن أكثم ، فقال : أكره الحديث والله عنه ، وذكر كلمة .

                                                                          وقال أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي الحافظ : يتكلمون فيه ، روى عن الثقات عجائب لا يتابع عليها .

                                                                          وقال محمد بن جعفر الخرائطي ، عن فضلك الرازي : مضيت أنا وداود الأصبهاني إلى يحيى بن أكثم ومعنا عشرة مسائل ، فدخلنا إلى داره فإذا هو في الحمام ، فانتظرناه حتى خرج ، فألقى داود عليه خمس مسائل ، فأجاب فيها أحسن جواب ، فلما كان في المسألة السادسة دخل عليه غلام حسن الوجه ، فلما رآه اضطرب [ ص: 212 ] في المسألة ، فلم يقدر يجيء ولا يذهب ، فقال داود : قم فإن الرجل قد اختلط .

                                                                          وقال المعافى بن زكريا الجريري ، عن محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي : قال أبو عبد الله محمد بن القاسم : لما عزل إسماعيل بن حماد ، يعني : ابن أبي حنيفة ، عن البصرة شيعوه ، فقالوا : عففت عن أموالنا ودمائنا . فقال إسماعيل : وعن أبنائكم : يعرض بيحيى بن أكثم ، قال : وكان الحسن بن عبيد الله بن الحسن العنبري قاضيا عندنا ، وكان عباسا كالحا ، فتقدمت إليه جارية لبعض أهل البصرة تخاصم في ميراث ، وكانت حسنة الوجه ، فتبسم وكلمها ، فقال في ذلك عبد الصمد بن المعذل :


                                                                          ولما سـرت عنها القنـاع متيم تروح منها العنبري مـتيما     رأى ابن عبيد الله وهو محكم
                                                                          عليها لها طــرفا عليه محكما     وكان قديما عابس الوجه كالحا
                                                                          فلما رأى منها السفور تبسما     فإن يصب قلب العنبري فقبله
                                                                          صبا باليتامى قلب يحيى بن أكثما



                                                                          وقال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي ، عن الحسين بن محمد بن الفهم : كنت مع أبي عند يحيى بن أكثم وعنده سليمان الشاذكوني ، فجعل يعارضه في كل شيء بشيء ، فقال له يحيى : يا أبا أيوب لقد حدثني سليمان بن حرب أن بعض مشايخ البصرة يكذب في حديثه . فقال له سليمان : أعز الله القاضي ، ولقد حدثني سليمان بن حرب أن بعض قضاة المسلمين يفعل فعلا [ ص: 213 ] عذب الله عليه قوما ! .

                                                                          وقال أحمد بن خلف بن المرزبان ، عن أحمد بن يعقوب : كان يحيى بن أكثم يحسد حسدا شديدا ، وكان مفتنا ، وكان إذا نظر إلى رجل يحفظ الفقه سأله عن الحديث ، فإذا رآه يحفظ الحديث سأله عن النحو ، فإذا رآه يعلم النحو سأله عن الكلام ، ليقطعه ويخجله فدخل إليه رجل من أهل خراسان ذكي حافظ فناظره ، فرآه مفتنا ، فقال له : نظرت في الحديث ؟ قال : نعم . قال : فما تحفظ من الأصول ؟ قال : أحفظ : شريك عن أبي إسحاق ، عن الحارث أن عليا رجم لوطيا . فأمسك ، فلم يكلمه بشيء .

                                                                          وقال القاضي أبو عمر محمد بن يوسف : سمعت إسماعيل بن إسحاق يقول : كان يحيى بن أكثم أبرأ إلى الله من أن يكون فيه شيء مما رمي به من أمر الغلمان ، ولقد كنت أقف على سرائره فأجده شديد الخوف لله ، ولكنه كان فيه دعابة وحسن خلق ، فرمي بما رمي به .

                                                                          وذكره ابن حبان في كتاب " الثقات " ، وقال : لا يشتغل بما يحكى عنه ، لأن أكثرها لا يصح عنه .

                                                                          وقال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي : حدثنا أبو العيناء قال : حدثنا أحمد بن أبي دؤاد . قال الصولي : وحدثنا محمد بن [ ص: 214 ] موسى بن حماد ، قال : حدثنا المشرف بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن منصور ، واللفظ لأبي العيناء ، قال : كنا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة . فقال لنا يحيى بن أكثم : بكرا غدا إليه ، فإن رأيتما للقول وجها فقولا ، وإلا فأمسكا إلى أن أدخل . قال : فدخلنا إليه وهو يستاك ، ويقول وهو مغتاظ : " متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما " . ومن أنت يا أحول حتى تنهى عما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، فأومأت إلى محمد بن منصور أن أمسك ، رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول ، نكلمه نحن ؟ ! فأمسكنا ، وجاء يحيى ، فجلس وجلسنا ، فقال المأمون ليحيى : ما لي أراك متغيرا ؟ قال : هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام . قال : وما حدث فيه ؟ قال : النداء بتحليل الزنا .

                                                                          قال : الزنا ؟ قال : نعم المتعة زنا .

                                                                          قال : ومن أين قلت هذا ؟ قال : من كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : قد أفلح المؤمنون إلى قوله : والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون يا أمير المؤمنين ، زوجة المتعة ملك يمين ؟ قال : لا . قال : فهي الزوجة التي عنى الله ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها ؟ قال : لا . قال : فقد صار متجاوز هذين من العادين . وهذا الزهري يا أمير [ ص: 215 ] المؤمنين روى عن عبد الله والحسن ابني محمد ابن الحنفية ، عن أبيهما محمد ، عن علي بن أبي طالب ، قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها .

                                                                          قال : فالتفت إلينا المأمون ، فقال : أمحفوظ هذا من حديث الزهري ؟ فقلنا : نعم يا أمير المؤمنين ، رواه جماعة منهم : مالك ، فقال : أستغفر الله ، نادوا بتحريم المتعة ، فنادوا بها .

                                                                          قال الصولي : فسمعت إسماعيل بن إسحاق يقول ، وقد ذكر يحيى بن أكثم ، فعظم أمره ، وقال : كان له يوم في الإسلام ، لم يكن لأحد مثله ، وذكر هذا اليوم ، فقال له الرجل : فما كان يقال ؟ قال : معاذ الله أن تزول عدالة مثله بتكذب باغ وحاسد ، وكانت كتبه في الفقه أجل كتب ، فتركها الناس لطولها .

                                                                          أخبرنا بذلك يوسف بن يعقوب الشيباني ، قال : أخبرنا زيد بن الحسن الكندي ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز ، قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ ، قال :

                                                                          [ ص: 216 ] أخبرني القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري ، قال : حدثنا محمد بن عمران المرزباني ، قال : أخبرني الصولي ، فذكره .

                                                                          وقال النسائي : أبو محمد يحيى بن أكثم أحد الفقهاء .

                                                                          وقال في موضع آخر : ومن فقهاء أهل خراسان : الضحاك بن مزاحم ، وإبراهيم الصائغ ، وعبد الله بن المبارك ، والنضر بن محمد المروزي ، وبعد هؤلاء : أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، ويحيى بن أكثم .

                                                                          وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري الحافظ : يحيى بن أكثم ، كان من أئمة أهل العلم ، ومن نظر له في كتاب " التنبيه " عرف تقدمه في العلوم .

                                                                          وقال طلحة بن محمد بن جعفر : ويحيى بن أكثم أحد أعلام الدنيا ، ومن قد اشتهر أمره ، وعرف خبره ، ولم يستتر عن الكبير والصغير من الناس فضله وعلمه ، ورياسته وسياسته لأمره وأمر أهل زمانه من الخلفاء والملوك . واسع العلم بالفقه ، كثير الأدب ، حسن العارضة ، قائم بكل معضلة ، وغلب على المأمون حتى لم يتقدمه أحد عنده من الناس جميعا . وكان المأمون ممن برع في العلوم ، فعرف من حال يحيى بن أكثم وما هو عليه من العلم والعقل ما أخذ بمجامع قلبه حتى قلده قضاء القضاة ، وتدبير أهل مملكته ، فكانت الوزراء لا تعمل في تدبير الملك شيئا إلا بعد مطالعة يحيى بن أكثم ، ولا نعلم أحدا غلب على سلطانه في زمانه إلا يحيى بن أكثم وابن أبي دؤاد .

                                                                          وقال عبد الله الحكيمي ، عن أبي العيناء : سئل رجل من البلغاء عن يحيى بن أكثم وابن أبي دؤاد أيهما أنبل ؟ فقال : كان [ ص: 217 ] أحمد يجد مع جاريته ، وابنته ، ويحيى يهزل مع خصمه وعدوه .

                                                                          وقال الفضل بن محمد الشعراني : سمعت يحيى بن أكثم يقول : القرآن كلام الله ، فمن قال مخلوق يستتاب ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه .

                                                                          وقال أحمد بن جعفر الصباغ عن إسماعيل بن إسحاق القاضي : سمعت يحيى بن أكثم يقول : اختصم إلي ها هنا في الرصافة الجد الخامس يطلب ميراث ابن ابن ابن ابنه .

                                                                          وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي : جاء رجل يسأل يحيى بن أكثم فقال له : أيش توسمت في أنا قاض ، والقاضي يأخذ ولا يعطي ، وأنا من مرو ، وأنت تعرف ضيق أهل مرو ، وأنا من تميم ، والمثل إلى بخل تميم .

                                                                          وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : لما سمع يحيى بن أكثم من ابن المبارك ، وكان صغيرا صنع أبوه طعاما ، ودعا الناس ثم قال : اشهدوا أن هذا سمع من ابن المبارك وهو صغير .

                                                                          وقال سهل بن شاذويه عن علي بن خشرم : أخبرني يحيى بن أكثم أنه صار إلى حفص بن غياث فتعشى عنده فأتي حفص بعس فشرب منه ثم ناوله أبا بكر بن أبي شيبة فشرب منه فناوله أبو بكر يحيى بن أكثم فقال له : يا أبا بكر أيسكر كثيره ؟ قال : إي والله ، وقليله . فلم يشرب .

                                                                          [ ص: 218 ] وقال محمد بن يونس الكديمي ، عن علي ابن المديني : خرج سفيان بن عيينة إلى أصحاب الحديث وهو ضجر ، فقال : أليس من الشقاء أن أكون جالست ضمرة بن سعيد وجالس أبا سعيد الخدري ، وجالست عمرو بن دينار وجالس جابر بن عبد الله ، وجالست عبد الله بن دينار وجالس ابن عمر ، وجالست الزهري وجالس أنس بن مالك ، حتى عدد جماعة ثم أنا أجالسكم ؟ فقال له حدث في المجلس : أتنصف يا أبا محمد ؟ قال : إن شاء الله . قال له : والله لشقاء من جالس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بك أشد من شقائك بنا . فأطرق وتمثل بشعر أبي نؤاس :


                                                                          خل جنبيك لرام     وامض عنه بسلام
                                                                          مت بداء الصمت خير     لك من داء الكلام

                                                                          فسئل : من الحدث ؟ فقالوا : يحيى بن أكثم . فقال سفيان : هذا الغلام يصلح لصحبة هؤلاء ، يعني : السلطان .

                                                                          وقال أبو الفضل صالح بن محمد بن شاذان : سمعت منصور بن إسماعيل يقول : ولي يحيى بن أكثم قضاء البصرة وهو شاب ابن إحدى وعشرين سنة أو كما قال ، فاستزرى به مشايخ البصرة واستصغروه ، فقالوا : كم سن القاضي ؟ قال : سن عتاب بن أسيد حين ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة .

                                                                          وقال أبو خازم عبد الحميد بن عبد العزيز القاضي ، عن أبيه :

                                                                          [ ص: 219 ] ولي يحيى بن أكثم القاضي البصرة وسنه عشرون أو نحوها ، فاستصغره أهل البصرة ، فقال له أحدهم : كم سنو القاضي ؟ قال : فعلم أنه قد استصغر ، فقال : أنا أكبر من عتاب بن أسيد الذي وجه به النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا على أهل مكة يوم الفتح ، وأنا أكبر من معاذ بن جبل الذي وجه به النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا على أهل اليمن ، وأنا أكبر من كعب بن سور الذي وجه به عمر بن الخطاب قاضيا على أهل البصرة . قال : وبقي سنة لا يقبل بها شاهدا . قال : فتقدم إليه أبي وكان أحد الأمناء ، فقال له : أيها القاضي قد وقفت الأمور وتريثت . قال : وما السبب ؟ قال : في ترك القاضي قبول الشهود . قال : فأجاز في ذلك اليوم شهادة سبعين شاهدا .

                                                                          وقال عبد الله بن محمود المروزي : سمعت يحيى بن أكثم يقول : كنت قاضيا وأميرا ووزيرا وقاضيا على القضاة ، ما ولج سمعي أحلى من قول المستملي : من ذكرت ، رضي الله عنك .

                                                                          وقال الفضل بن محمد الشعراني : سمعت يحيى بن أكثم يقول : كان لي أخ مروزي ، فكان يكتب إلي في الأحايين ، وما كتب إلي إلا انتفعت بكتابه ، فكتب إلي مرة : بسم الله الرحمن الرحيم يا يحيى اعتبر بما ترى ، واتعظ بما تسمع قبل أن تصير عبرة للناظرين وعظة للسامعين . قال : فقلت : لقد جمع فيه .

                                                                          وقال محمد بن الحسن بن زياد النقاش المقرئ ، عن أحمد بن يحيى ثعلب : أخبرنا أبو العالية السامي مؤدب ولد المأمون . [ ص: 220 ] قال : لقي رجل يحيى بن أكثم وهو يومئذ على قضاء القضاة ، فقال له : أصلح الله القاضي كم آكل ؟ قال : فوق الجوع ودون الشبع . قال : فكم أضحك ؟ قال : حتى يسفر وجهك ، ولا يعلو صوتك . قال فكم أبكي ؟ قال : لا تمل البكاء من خشية الله . قال : فكم أخفي من عملي ؟ قال : ما استطعت . قال : فكم أظهر منه ؟ قال : ما يقتدي بك البر الخير ، ويؤمن عليك قول الناس ، فقال الرجل : سبحان الله ، قول قاطن ، وعمل ظاعن .

                                                                          وقال محمد بن منصور الطوسي ، عن يحيى بن سعيد اليمامي ، قال يحيى بن أكثم : من خالط الناس داراهم ، ومن داراهم راياهم .

                                                                          وقال النقاش أيضا ، عن ثعلب : أخبرنا أبو العالية السامي . مؤدب ولد المأمون ، قال : قال المأمون ذات يوم ليحيى بن أكثم القاضي : أريد منك أن تسمي لي ثقلاء أهل عسكري وحاشيتي . فقال له : يا أمير المؤمنين أعفني ، فإني لست أذكر أحدا منهم ، وهم لي على ما تعلم ، فكيف إن جرى مثل هذا ؟ قال له : فإن كنت لا تفعل فاضطجع حتى أفتل لك مخراقا وأضربك به ، وأسمي مع كل ضربة رجلا ، فإن كان ثقيلا تأوهت ، وإن يكن غير ذلك سكت ، فأكون أنا على معرفة منهم ويقين من ثقلائهم . فاضطجع له يحيى ، وقال : ما رأيت قاضي قضاة ، وأميرا ، ووزيرا ، يعمل به مثل ذا ، فلف له مخراقا دبيقيا ، وضربه به ضربة وذكر رجلا ثقيلا . [ ص: 221 ] فصاح يحيى : أوه أوه يا أمير المؤمنين في المخراق آجرة ، فضحك منه حتى كاد يغشى عليه ، وأعفاه من الباقين .

                                                                          وقال النقاش أيضا ، عن عبد الله بن محمود المروزي : رأيت قاضي القضاة يحيى بن أكثم بمكة وقد وقف يلاحظ حجاما عليه أنف كأنه أزج ، فقلت له : أيها القاضي ، ما هذا الوقوف ؟ فقال : ذرني فإني أريد أن أنظر إلى هذا كيف يستوي له مص المحجمة مع هذا الأنف ؟ وقد كان رجل جالس بين يدي الحجام ، ففطن به الحجام ، فقال له : ما لك قائم تنظر إلي ، ليس ونور الله أضرب في قفا هذا بمعولي وأنت واقف . فتوارينا عنه ، فإذا هو يعطف أنفه بيده اليسرى ويمسك المحجمة بيده اليمنى ويمص بفيه ، فقال يحيى : أما هذا فنعم . قال عبد الله : وكان يحيى بن أكثم أعور .

                                                                          قال إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي نفطويه : سنة اثنتين وأربعين ومائتين فيها مات يحيى بن أكثم ، فأخبرني محمد بن جعفر عن داود بن علي ، قال : صحبت يحيى بن أكثم تلك السنة إلى مكة ، وقد حمل معه أخته وعزم على أن يجاور ، فلما اتصل به رجوع المتوكل له بدا له في المجاورة ، ورجع يريد العراق حتى إذا صار إلى الربذة مات بها ، فقبره هناك .

                                                                          وقال محمد بن إسحاق الثقفي السراج : مات يحيى بن أكثم أبو زكريا بالربذة منصرفا من الحج يوم الجمعة لخمس عشرة خلت من ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين ومائتين .

                                                                          قال محمد بن علي ابن أخيه : بلغ يحيى بن أكثم ثلاثا [ ص: 222 ] وثمانين سنة .

                                                                          وقال أحمد بن كامل القاضي : توفي أبو محمد يحيى بن أكثم في غرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين بعد منصرفه من الحج ، ودفن بالربذة .

                                                                          أخبرنا أبو العز الشيباني ، قال : أخبرنا أبو اليمن الكندي ، قال : أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال : أخبرنا أبو بكر بن ثابت الحافظ ، قال : أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد المفيد ، قال : حدثنا عمر بن سعيد بن سنان الطائي ، قال : حدثنا محمد بن سلم الخواص الشيخ الصالح ، قال : رأيت يحيى بن أكثم القاضي في المنام ، فقلت له : ما فعل الله بك ؟ قال : أوقفني بين يديه ، وقال لي : يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار ، فأخذني ما يأخذ العبد بين يدي مولاه ، فلما أفقت قال لي : يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار ، فأخذني ما يأخذ العبد بين يدي مولاه ، فلما أفقت قال لي : يا شيخ السوء ، فذكر الثالثة مثل الأولتين ، فلما أفقت قلت : يا رب ما هكذا حدثت عنك ، فقال الله تعالى : وما حدثت عني ؟ - وهو أعلم بذلك - قلت : حدثني عبد الرزاق بن همام ، قال : حدثنا معمر بن راشد ، عن ابن شهاب الزهري ، عن أنس بن مالك ، عن نبيك صلى الله عليه وسلم ، عن جبريل ، عنك يا عظيم ، أنك قلت : ما شاب لي عبد في الإسلام شيبة إلا استحييت منه أن أعذبه بالنار فقال الله : صدق عبد الرزاق ، وصدق معمر ، وصدق [ ص: 223 ] الزهري ، وصدق أنس ، وصدق نبيي ، وصدق جبريل ، أنا قلت ذلك ، انطلقوا به إلى الجنة !

                                                                          وروي عن علي بن هارون الزاهد ، قال : رأيت يحيى بن أكثم القاضي في المنام ، فذكر نحو ذلك . وروي من وجه آخر عن رجل من أهل سامراء ، قال : لما مات يحيى بن أكثم رئي في النوم فذكره ، وقال فيه : عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية