الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          6723 - ( د) : الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، واسمه أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي ، أبو وهب الأموي ، أخو خالد بن عقبة بن أبي معيط ، وعمارة بن عقبة بن أبي معيط ، وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، له صحبة ، وهو أخو عثمان بن عفان لأمه أمهما أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف ، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب ، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                          [ ص: 54 ] أسلم يوم فتح مكة ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق من خزاعة .

                                                                          روى عن : النبي صلى الله عليه وسلم (د) .

                                                                          روى عنه : حارثة بن مضرب ، وعامر الشعبي ، وأبو موسى عبد الله الهمداني (د) .

                                                                          ذكره محمد بن سعد في الطبقة الرابعة ، وقال : يكنى أبا وهب ، وأسلم يوم فتح مكة ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق ، وولاه عمر بن الخطاب صدقات بني تغلب ، وولاه عثمان بن عفان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص ، ثم عزله عنها ، فلم يزل بالمدينة حتى بويع علي ، فخرج إلى الرقة فنزلها ، ، واعتزل عليا ومعاوية ، فلم يكن مع واحد منهما حتى مات بالرقة ، فقبره بعين الرومية على خمسة عشر ميلا من الرقة ، وكانت ضيعة له فمات بها ، وولده بالرقة إلى اليوم .

                                                                          وقال أبو بكر ابن البرقي : قتل النبي صلى الله عليه وسلم أباه عقبة بن أبي معيط صبرا بالصفراء في رجوعه من بدر ، ويقال : بالأثيل فيما حدثنا ابن هشام ، وكان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم رجلا له حديث .

                                                                          وقال مصعب بن عبد الله الزبيري : كان من رجال قريش ، وشعرائهم ، خرج يرتاد منزلا حتى أتى الرقة فأعجبته فنزل على البليخ ، وقال : منك المحشر ، فمات بها . وأخوه عمارة بن عقبة [ ص: 55 ] نزل الكوفة ، وأبوهما عقبة بن أبي معيط قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبرا .

                                                                          وقال الحافظ أبو بكر الخطيب : أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه ، وهو طفل صغير ، وكان أبوه من شياطين قريش ، أسره رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، وضرب عنقه ، وهو الفاسق الذي ذكره الله تعالى في كتابه يعني قوله تعالى : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون

                                                                          وقال أبو نصر بن ماكولا نحو ذلك .

                                                                          وقال أبو عمر بن عبد البر : الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو ، واسم أبي عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، وقد قيل : إن ذكوان كان عبدا لأمية فاستلحقه ، والأول أكثر ، أسلم يوم الفتح هو وأخوه خالد بن عقبة ، وأظنه يومئذ كان قد ناهز الاحتلام .

                                                                          قال الوليد : لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم ، فيمسح على رؤوسهم ، ويدعو لهم بالبركة ، قال : فأتي بي إليه ، وأنا متضمخ بالخلوق ، فلم يمسح على رأسي ، ولم يمنعه من ذلك إلا أن أمي خلقتني فلم يمسحني من أجل الخلوق .

                                                                          قال : وهذا الحديث رواه جعفر بن برقان ، عن ثابت بن [ ص: 56 ] الحجاج ، عن أبي موسى الهمداني عن الوليد بن عقبة ، قالوا : أبو موسى هذا مجهول ، والحديث منكر مضطرب لا يصح ، ولا يمكن أن يكون من بعث مصدقا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صبيا يوم الفتح .

                                                                          قال : ويدل أيضا على فساد ما رواه أبو موسى المجهول أن الزبير وغيره من أهل العلم بالسير والخبر ذكروا أن الوليد وعمارة ابني عقبة خرجا ليردا أختهما أم كلثوم عن الهجرة ، وكانت هجرتها في الهدنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة ، ومن كان غلاما مخلقا يوم الفتح ليس يجيء منه مثل هذا ، وذلك واضح ، والحمد لله .

                                                                          قال : ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله عز وجل : إن جاءكم فاسق بنبإ نزلت في الوليد بن عقبة ، وذلك أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق مصدقا ، فأخبر عنهم أنهم ارتدوا عن الإسلام ، وأبوا من أداء الصدقة ، وذلك أنهم خرجوا إليه ، فهابهم ، ولم يعرف ما عندهم ، فانصرف عنهم ، وأخبر بما ذكرنا ، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ، وأمره أن يتثبت فيهم ، فأخبروه أنهم متمسكون بالإسلام ، ونزلت يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا الآية .

                                                                          قال : وروي عن مجاهد وقتادة مثل ما ذكرنا . ثم روى بإسناده عن هلال الوزان عن ابن أبي ليلى في قوله تعالى : إن جاءكم فاسق بنبإ قال : نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط .

                                                                          قال : ومن حديث الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن [ ص: 57 ] عباس قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، والوليد بن عقبة في قصة ذكرها أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون قالا : ثم ولاه عثمان الكوفة ، وعزل عنها سعد بن أبي وقاص ، فلما قدم الوليد على سعد قال له سعد : والله ما أدري أكست بعدنا أم حمقنا بعدك ؟ فقال : لا تجزعن يا أبا إسحاق ، فإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون . فقال سعد : أراكم والله ستجعلونها ملكا .

                                                                          قال : وله أخبار فيها نكارة وشناعة تقطع على سوء حاله ، وقبح أفعاله غفر الله لنا وله ، فلقد كان من رجال قريش ظرفا ، وحلما ، وشجاعة ، وأدبا ، وكان من الشعراء المطبوعين ، كان الأصمعي وأبو عبيدة وابن الكلبي وغيرهم يقولون : كان الوليد بن عقبة فاسقا شريبا ، وكان شاعرا كريما .

                                                                          قال أبو عمر : أخباره كثيرة في شربه الخمر ، ومنادمته أبا زبيد الطائي كثيرة مشهورة ، ويسمج بنا ذكرها هنا ، ونذكر منها طرفا :

                                                                          ذكر عمر بن شبة ، قال : حدثنا هارون بن معروف ، قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب ، قال : صلى الوليد بن عقبة بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات ، ثم التفت إليهم فقال : أزيدكم . فقال عبد الله بن مسعود : ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم .

                                                                          قال : وحدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن الأجلح عن الشعبي في حديث الوليد بن عقبة حين شهدوا عليه ، [ ص: 58 ] فقال الحطيئة . . .

                                                                          شهد الحطيئة يوم يلقى ربه . . . أن الوليد أحق بالعذر . . .     نادى ، وقد تمت صلاتهم
                                                                          . . . أأزيدكم سكرا ، وما يدري . . .     فأبوا أبا وهب ولو أذنوا
                                                                          . . . لقرنت بين الشفع ، والوتر . . .     كفوا عنانك إذ جريت ، ولو
                                                                          . . . تركوا عنانك لم تزل تجري

                                                                          وقال الزبير بن بكار : كان من رجال قريش وشعرائهم ، وكان له سخاء ، استعمله عثمان بن عفان على الكوفة ، فرفعوا عليه أنه شرب الخمر ، فعزله عثمان ، وجلده الحد ، وقال فيه الحطيئة يعذره . . .

                                                                          شهد الحطيئة حين يلقى ربه . . .     أن الوليد أحق بالعذر
                                                                          . . . خلعوا عنانك إذ جريت ولو . . .     خلوا عنانك لم تزل تجري

                                                                          . قال الزبير : فزادوا فيها من غير قول الحطيئة :

                                                                          . . . نادى وقد تمت صلاتهم . . .     أأزيدكم ثملا ، وما يدري
                                                                          . . . ليزيدهم خيرا ولو فعلوا . . .     لأتت صلاتهم على العشر

                                                                          . قال أبو عمر : وقال أيضا يعني : الحطيئة :

                                                                          . . . تكلم في الصلاة وزاد فيها . . .     علانية وجاهر بالنفاق
                                                                          . . . ، ومج الخمر في سنن المصلى . . .     ونادى والجميع إلى افتراق
                                                                          . . . أزيدكم على أن تحمدوني . . .     فما لكم وما لي من خلاق

                                                                          .

                                                                          قال : وخبر صلاته بهم سكران ، وقوله : " أزيدكم " . بعد أن صلى الصبح أربعا مشهور من حديث الثقات من نقلة الحديث ، وأهل الأخبار .

                                                                          [ ص: 59 ] قال : وقد روي فيما ذكر الطبري أنه تعصب عليه قوم من أهل الكوفة بغيا وحسدا ، وشهدوا عليه أنه تقيأ الخمر ، وذكر القصة وفيها : أن عثمان رحمة الله عليه قال له : يا أخي اصبر فإن الله يأجرك ، ويبوء القوم بإثمك . قال : وهذا الخبر من نقل أهل الأخبار لا يصح عند أهل الحديث ، ولا له عند أهل العلم أصل . والصحيح عندهم في ذلك ما رواه عبد العزيز بن المختار ، وسعيد بن أبي عروبة ، عن عبد الله الداناج ، عن حضين بن المنذر أبي ساسان أنه ركب إلى عثمان ، وأخبره بقصة الوليد ، وقدم على عثمان رجلان فشهدا عليه بشرب الخمر ، وأنه صلى الغداة بالكوفة أربعا ، ثم قال : أزيدكم ؟ قال أحدهما : رأيته يشربها ، وقال الآخر : رأيته يتقيأها ، فقال عثمان : إنه لم يتقيأها حتى شربها ، فقال لعلي : أقم عليه الحد ، وذكر الحديث .

                                                                          قال أبو عمر : لم يرو الوليد بن عقبة سنة يحتاج فيها إليه .

                                                                          قال : وروى أبو إسحاق عن حارثة بن مضرب عن الوليد بن عقبة قال : ما كانت نبوة إلا كان بعدها ملك .

                                                                          وقال عمار بن الحسن الرازي، عن سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق : أقام الوليد على الكوفة خمس سنين .

                                                                          وقال خليفة بن خياط : وفيها ، يعني : سنة خمس وعشرين : عزل عثمان سعد بن مالك عن الكوفة ، وولاها الوليد بن عقبة بن أبي معيط .

                                                                          وقال فيها يعني - سنة ثمان وعشرين : غزيت أذربيجان [ ص: 60 ] وأمير المسلمين الوليد بن عقبة .

                                                                          وقال : سنة تسع وعشرين ، فيها عزل عثمان الوليد بن عقبة عن الكوفة ، وولاها سعيد بن العاص .

                                                                          وقال أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي : حدثني محمد بن الحسن بن محمد بن الوليد بن سيار النخعي ، قال : حدثني الحسن بن حفص المخزومي : أن لبيدا جعل على نفسه أن يطعم ما هبت الصبا ، قال : فألحت عليه زمن الوليد بن عقبة ، فصعد الوليد المنبر ، فقال : أعينوا أخاكم ، فبعث إليه بثلاثين جزورا ، وكان لبيد قد ترك الشعر في الإسلام فقال لابنته : أجيبي الأمير ، فأجابت : .

                                                                          . . .

                                                                          إذا هبت رياح أبي عقيل . . .     ذكرنا عند هبتها الوليدا
                                                                          . . . أبا وهب جزاك الله خيرا . . .     نحرناها ، وأطعمنا الثريدا
                                                                          . . . طويل الباع أبيض عبشمي . . .     أعان على مروءته لبيدا
                                                                          . . . بأمثال الهضاب كأن ركبا . . .     عليها من بني حام قعودا
                                                                          . . . فعد إن الكريم له معاد . . .     وظني يا ابن أروى أن تعودا

                                                                          قال : فقال لبيد : أحسنت لولا أنك سألت . قالت : إن الملوك لا يستحيى من مسألتهم ، فقال : وأنت في هذا أشعر .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو العز ابن الصيقل الحراني قال : أخبرنا أبو علي بن الخريف ، قال : أخبرنا القاضي أبو بكر الأنصاري قال : أخبرنا أبو الغنائم حمزة بن علي السواق ، قال : أخبرنا أبو الفرج أحمد بن عمر الغضاري المعروف بابن البغل ، قال : أخبرنا جعفر [ ص: 61 ] ابن محمد بن نصير الخواص ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق ، فذكره .

                                                                          وقد ذكرنا شيئا من أخباره في ترجمة جندب الخير الأزدي قاتل الساحر .

                                                                          قال أبو عروبة الحراني : مات في أيام معاوية .

                                                                          روى له أبو داود حديث الخلوق .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية