الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
" ما يؤثر عنه في النكاح والصداق وغير ذلك "

(أنبأني ) أبو عبد الله الحافظ (إجازة ) ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : " وكان مما خص الله به نبيه (صلى الله عليه وسلم ) ، قوله : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) " .

" وقال تعالى : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ) فحرم نكاح نسائه - من بعده - على العالمين ، وليس هكذا نساء أحد غيره " .

" وقال الله - عز وجل - : ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول ) ، فأبانهن به من نساء العالمين " .

" وقوله : ( وأزواجه أمهاتهم ) مثل ما وصفت : من اتساع لسان العرب ، وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة . ومما وصفت : [ ص: 168 ] من [أن ] الله أحكم كثيرا - : من فرائضه . - بوحيه وسن شرائع واختلافها ، على لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم ) ، وفي فعله " .

" فقوله : ( أمهاتهم ) يعني : في معنى دون معنى ، وذلك : أنه لا يحل لهم نكاحهن بحال ، ولا يحرم عليهم نكاح بنات : لو كن لهن كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم : اللاتي ولدنهم ، [أ ] و أرضعنهم " .

وذكر الحجة في هذا ، ثم قال : " وقد ينزل القرآن في النازلة : ينزل على ما يفهمه من أنزلت فيه كالعامة في الظاهر : وهي يراد بها الخاص ، والمعنى دون ما سواه .

" والعرب تقول - للمرأة : ترب أمرهم . - : أمنا ، وأم العيال ؛ [ ص: 169 ] وتقول كذلك للرجل : [يتولى ] أن يقوتهم . - : أم العيال بمعنى : أنه وضع نفسه موضع الأم التي ترب [أمر ] العيال . قال : تأبط شرا - ، وهو يذكر غزاة غزاها : ورجل من أصحابه ، ولي قوتهم . - :


وأم عيال قد شهدت تقوتهم

" . وذكر بقية البيت ، وبيتين أخوين معه .

قال الشافعي (رحمه الله ) : " قلت : الرجل يسمى أما ، وقد تقول العرب للناقة ، والبقرة ، والشاة ، والأرض - : هذه أم عيالنا على معنى : التي تقوت عيالنا " .

[ ص: 170 ] " وقال الله - عز وجل - : ( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ) " .

" يعني : أن اللائي ولدنهم : أمهاتهم بكل حال الوارثات [و ] الموروثات ، المحرمات بأنفسهن ، والمحرم بهن غيرهن : اللائي لم يكن قط إلا أمهات . ليس : اللائي يحدثن رضاعا للمولود ، فيكن به أمهات [وقد كن قبل إرضاعه ، غير أمهات له ] ، ولا : أمهات المؤمنين [عامة : يحرمن بحرمة أحدثنها أو يحدثها الرجل أو : أمهات المؤمنين ] حرمن : بأنهن أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم ) " .

وأطال الكلام فيه ، ثم قال : " وفي هذا : دلالة على أشباه له في القرآن ، جهلها من قصر علمه باللسان والفقه " .

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : " وذكر عبدا أكرمه ، فقال : ( وسيدا وحصورا ) " .

[ ص: 171 ] " والحصور : الذي لا يأتي النساء ، [ولم يندبه إلى النكاح ] " .

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : " حتم لازم لأولياء الأيامى ، والحرائر : البوالغ - : إذا أردن النكاح ، ودعوا إلى رضي : من الأزواج . - : أن يزوجوهن لقول الله - عز وجل - : ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا ) [ ص: 172 ] ( بينهم بالمعروف ) " .

" فإن شبه على أحد : بأن مبتدأ الآية على ذكر الأزواج . - : ففي الآية ، دلالة : [على ] أنه إنما نهى عن العضل الأولياء ؛ لأن الزوج إذا طلق ، فبلغت المرأة الأجل - : فهو أبعد الناس منها ، فكيف يعضلها من لا سبيل ، ولا شرك له [في أن يعضلها ] في بعضها ؟ ! " .

" فإن قال قائل : قد يحتمل : إذا قاربن بلوغ أجلهن ؛ لأن الله (تعالى ) يقول للأزواج : ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف ) الآية .

[ ص: 173 ] يعني : إذا قاربن بلوغ أجلهن " .

" قال الشافعي : فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى ، وأنها لا تحتمله : لأنها إذا قاربت بلوغ أجلها ، أو لم تبلغه - : فقد حظر الله (عز وجل ) عليها : أن تنكح ، لقول الله - عز وجل - : ( ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ) ، فلا يأمر : بأن لا يمنع من النكاح من قد منعها منه . إنما يأمر : بأن لا يمتنع مما أباح لها ، من هو بسبب [من ] منعها " .

" قال : وقد حفظ بعض أهل العلم : أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار ، وذلك : أنه زوج أخته رجلا ، فطلقها وانقضت عدتها ، ثم : [ ص: 174 ] طلب نكاحها وطلبته ، فقال : زوجتك - دون غيرك - أختي " ، ثم : طلقتها ، لا أنكحك أبدا . فنزلت : ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) " .

" قال : وهذه الآية أبين آية في كتاب الله (عز وجل ) : دلالة على أن ليس للمرأة الحرة : أن تنكح نفسها " .

" وفيها : دلالة على أن النكاح يتم برضا الولي مع المزوج ، والمزوجة " .

قال الشيخ (رحمه الله ) : هذا الذي نقلته - : من كلام الشافعي (رحمه الله ) في أمهات المؤمنين ، إلى هاهنا . - بعضه في مسموع لي : [ ص: 175 ] قراءة على شيخنا ، وبعضه غير مسموع : فإنه لم يسمعه في النقل . فرويت الجميع بالإجازة ، وبالله التوفيق .

* * *

واحتج (أيضا ) - في اشتراط الولاية في النكاح - : بقوله - عز وجل - : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ) ، وبقوله : (تعالى ) في الإماء : ( فانكحوهن بإذن أهلهن ) .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية