الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد [في قوله : ( ورفعنا لك ذكرك ) قال : " لا أذكر إلا ذكرت [معي ] : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله " . قال الشافعي : " يعني [ ص: 59 ] (والله أعلم ) : ذكره عند الإيمان بالله ، والأذان ، ويحتمل : ذكره عند تلاوة القرآن ، وعند العمل بالطاعة ، والوقوف عن المعصية " .

واحتج في فضل التعجيل بالصلوات - بقول الله - عز وجل - : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ) ، ودلوكها : ميلها . وبقوله : ( وأقم الصلاة لذكري ) وبقوله : ( حافظوا على الصلوات ) ، والمحافظة على الشيء : تعجيله .

وقال في موضع آخر : " ومن قدم الصلاة في أول وقتها ، كان أولى بالمحافظة عليها ممن أخرها عن أول وقتها " .

وقال في قوله : ( والصلاة الوسطى ) - : " فذهبنا : إلى أنها الصبح . [وكان أقل ما في الصبح ] إن لم تكن هي - : أن تكون مما أمرنا بالمحافظة عليه " .

وذكر - في رواية المزني ، وحرملة - حديث أبي يونس مولى عائشة (رضي الله عنها ) أنها أملت عليه : "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر " ، ثم قالت : " سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " قال الشافعي : " فحديث عائشة يدل على أن الصلاة الوسطى ، ليست صلاة [ ص: 60 ] العصر . قال : واختلف بعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ، فروي عن علي ، وروي عن ابن عباس : أنها الصبح ، وإلى هذا نذهب . وروي عن زيد بن ثابت : الظهر وعن غيره : العصر " . وروى فيه حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم .

قال الشيخ : " الذي رواه الشافعي في ذلك ، عن علي ، وابن عباس : فيما رواه مالك في الموطأ عنهما فيما بلغه ، ورويناه موصولا عن ابن عباس ، وابن عمر، وهو قول عطاء ، وطاووس ، ومجاهد، وعكرمة " .

" وروينا عن عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن علي (رضي الله عنه ) ، قال : " كنا نرى أنها صلاة الفجر ، حتى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يوم الأحزاب : يقول : " شغلونا عن صلاة الوسطى ، صلاة العصر ، حتى غابت الشمس ، ملأ الله قبورهم ، وأجوافهم نارا " . وروايته في ذلك - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صحيحة ، عن عبيدة السلماني ، وغيره عنه ، وعن مرة ، عن ابن مسعود . وبه قال أبي بن كعب ، وأبو أيوب ، وأبو هريرة ، وعبد الله [ ص: 61 ] بن عمرو ، و[هو ] في إحدى الروايتين ، عن ابن عمر ، وابن عباس ، وأبي سعيد الخدري ، وعائشة رضي الله عنهم " .

وقرأت [في ] كتاب حرملة، عن الشافعي - في قول الله - عز وجل - : ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) ، فلم يذكر في هذه الآية مشهودا غيره " ، والصلوات مشهودات ، فأشبه أن يكون قوله مشهودا بأكثر مما تشهد به الصلوات ، أو أفضل ، أو مشهودا بنزول الملائكة " .

يريد صلاة الصبح .

* * * أنا أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي - رحمه الله - : " فرض الله (تبارك وتعالى ) الصلوات ، وأبان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) عدد كل واحدة منهن ، ووقتها ، وما يعمل فيهن ، وفي كل واحدة منهن .

وأبان الله (عز وجل ) : أن منهن نافلة وفرضا ، فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) الآية . ثم أبان ذلك رسول الله [ ص: 62 ] (صلى الله عليه وسلم ) فكان بينا (والله أعلم ) - إذا كان من الصلاة نافلة وفرض ، وكان الفرض منها مؤقتا - أن لا تجزئ عنه صلاة ، إلا بأن ينويها مصليا " .

* * *

وبهذا الإسناد ، قال الشافعي : قال الله - تبارك وتعالى - : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) . قال الشافعي : وأحب أن يقول - حين يفتتح [قبل أم ] القرآن : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وأي كلام استعاذ به ، أجزأه " .

وقال في الإملاء - بهذا الإسناد : " ثم يبتدئ ، فيتعوذ ، ويقول : أعوذ بالسميع العليم أو يقول : أعوذ بالله السميع العليم [من الشيطان الرجيم ] أو : أعوذ بالله أن يحضرون . لقول الله - عز وجل . ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) " .

* * *

قال الشافعي - في كتاب البويطي : " قال الله - جل ثناؤه - : [ ص: 63 ] ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) . وهي : أم القرآن : أولها : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) " .

أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق - في آخرين - قالوا : أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا عبد المجيد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبي [عن ] سعيد بن جبير [في قوله ] : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) ، [قال ] : " هي أم القرآن " . قال أبي : " وقرأها على سعيد بن جبير ، حتى ختمها ، ثم قال : " ( بسم الله الرحمن الرحيم ) الآية السابعة . قال سعيد : وقرأها علي ابن عباس، كما قرأتها عليك ، ثم قال ( بسم الله الرحمن الرحيم ) الآية السابعة . قال ابن عباس : فذخرها [الله ] لكم ، فما أخرجها لأحد قبلكم " .

قال الشافعي - في رواية حرملة عنه : " وكان ابن عباس يفعله (يعني : يفتتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم ) ، ويقول : انتزع الشيطان منهم خير آية في القرآن . وكان يقول : كان النبي (صلى الله عليه وسلم ) لا يعرف ختم السورة ، حتى تنزل : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) " .

* * *

[ ص: 64 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية