الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
(أخبرنا ) أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ - رحمه الله - أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي - رحمه الله - في ذكر نعمة الله علينا برسوله - صلى الله عليه وسلم - بما أنزل عليه من كتابه ، فقال : ( وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) فنقلهم به من الكفر ، والعمى ، إلى الضياء ، والهدى ، وبين فيه ما أحل لنا بالتوسعة على خلقه ، وما حرم لما هو أعلم به : [من ] حضهم على الكف عنه في الآخرة ، والأولى ، وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول ، وعمل ، وإمساك عن محارم ، وحماهم ، وأثابهم على طاعته - من الخلود في جنته ، والنجاة من نقمته - ما عظمت به نعمته - جل ثناؤه - ، وأعلمهم ما أوجب على أهل معصيته ، من خلاف ما أوجب لأهل طاعته ، ووعظهم بالإخبار عمن كان قبلهم : ممن كان أكثر منهم أموالا ، وأولادا ، وأطول أعمارا ، وأحمد آثارا ، فاستمتعوا بخلاقهم في حياة دنياهم ، فأذاقهم عند نزول قضائه مناياهم دون آمالهم ، ونزلت بهم عقوبته عند انقضاء آجالهم ؛ ليعتبروا في آنف الأوان ، [ ص: 21 ] ويتفهموا بجلية التبيان ، وينتبهوا قبل رين الغفلة ، ويعملوا قبل انقطاع المدة ، حين لا يعتب مذنب ، ولا تؤخذ فدية ، و ( تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) .

وكان مما أنزل في كتابه (جل ثناؤه ) رحمة وحجة ، علمه من علمه ، وجهله من جهله .

قال : والناس في العلم طبقات ، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به ، فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه ، والصبر على كل عارض دون طلبه ، وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصا واستنباطا ، والرغبة إلى الله في العون عليه - فإنه لا يدرك خير إلا بعونه - ، فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصا واستدلالا ، ووفقه الله للقول ، والعمل لما علم منه فاز بالفضيلة في دينه ودنياه ، وانتفت عنه الريب ، ونورت في قلبه الحكمة ، واستوجب في الدين موضع الإمامة . فنسأل الله المبتدئ لنا بنعمه قبل استحقاقها ، المديم بها علينا مع تقصيرنا في الإتيان على ما أوجب من شكره لها ، الجاعلنا في خير أمة أخرجت للناس : أن يرزقنا فهما في كتابه ، ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وقولا وعملا يؤدي به عنا حقه ، ويوجب لنا نافلة مزيدة ، فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبل الهدى فيها . قال الله - عز وجل - : ( الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد . ) وقال تعالى : ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) . وقال تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) .

[ ص: 22 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية