الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
(أنا ) أبو سعيد بن أبي عمرو ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله ) : " قال الله - عز وجل - : ( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ) " .

" قال الشافعي : ( فإن علمتموهن مؤمنات ) : فاعرضوا عليهن الإيمان ، فإن قبلن ، وأقررن [به ] : فقد علمتموهن مؤمنات . وكذلك : علم بني آدم الظاهر قال الله - عز وجل - : ( الله أعلم بإيمانهن ) يعني : بسرائرهن في إيمانهن " .

قال الشافعي : " وزعم بعض أهل العلم بالقرآن : أنها نزلت في مهاجرة [من ] أهل مكة - فسماها بعضهم : ابنة عقبة بن أبي معيط . - ، وأهل مكة : أهل أوثان . و : أن قول الله - عز وجل - : ( ولا تمسكوا بعصم ) [ ص: 186 ] ( الكوافر ) قد نزلت في مهاجر أهل مكة مؤمنا . وإنما نزلت في الهدنة " .

" وقال الله - عز وجل - : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ) " .

" قال الشافعي : وقد قيل في هذه الآية : إنها نزلت في جماعة مشركي العرب : الذين هم أهل الأوثان فحرم : نكاح نسائهم ، كما حرم : أن ينكح رجالهم المؤمنات " .

فإن كان هذا هكذا : فهذه الآية ثابتة ليس فيها منسوخ " .

" وقد قيل : هذه الآية في جميع المشركين ، ثم نزلت الرخصة [بعدها ] : [ ص: 187 ] في إحلال نكاح حرائر أهل الكتاب خاصة كما جاءت في إحلال ذبائح أهل الكتاب . قال الله - عز وجل - : ( أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ، وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن ) " .

" قال : فأيهما كان : فقد أبيح [فيه ] نكاح حرائر أهل الكتاب " .

" وقال : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) [إلى قوله ] : ( ذلك لمن خشي العنت منكم ) الآية " .

[ ص: 188 ] " قال : ففي [هذه ] الآية (والله أعلم ) ، دلالة : على أن المخاطبين بهذا : الأحرار دون المماليك - : لأنهم الواجدون للطول ، المالكون للمال ، والمملوك لا يملك مالا بحال " .

" ولا يحل نكاح الأمة ، إلا : بأن لا يجد الرجل الحر بصداق أمة ، طولا الحرة ، و : بأن يخاف العنت . والعنت : الزنا " .

قال : " وفي إباحة الله الإماء المؤمنات - على ما شرط : لمن لم يجد طولا وخاف العنت . - دلالة (والله أعلم ) : على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب ، وعلى أن الإماء المؤمنات لا يحللن إلا : لمن جمع الأمرين ، مع إيمانهن " . وأطال الكلام في الحجة .

[ ص: 189 ] قال الشافعي (رحمه الله ) : " وإن كانت الآية نزلت في تحريم نساء المسلمين على المشركين - : من مشركي أهل الأوثان . - (يعني : قوله - عز وجل - : ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) : فالمسلمات محرمات على المشركين منهم ، بالقرآن : بكل حال ، وعلى مشركي أهل الكتاب : لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين ، وما لم يختلف الناس فيه . علمته " .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية