الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
(أخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : " قال الله - عز وجل - : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب ) الآية " .

" فأحكم الله فرض الصدقات في كتابه ، ثم أكدها [وشددها ] ، فقال : ( فريضة من الله ) " .

" فليس لأحد : أن يقسمها على غير ما قسمها الله (عز وجل ) [عليه ] ، وذلك : ما كانت الأصناف موجودة ؛ لأنه إنما يعطي من وجد : كقوله : ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ) الآية ، وكقوله : ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم ) ، وكقوله : ( ولهن الربع مما تركتم ) " .

[ ص: 161 ] " فمعقول - عن الله - عز وجل - : [أنه ] فرض هذا : لمن كان موجودا يوم يموت الميت . وكان معقولا [عنه ] أن هذه السهمان : لمن كان موجودا يوم تؤخذ الصدقة وتقسم " .

" فإذا أخذت صدقة قوم : قسمت على من معهم في دارهم : من أهل [هذه ] السهمان ، ولم تخرج من جيرانهم [إلى أحد ] : حتى لا يبقى منهم أحد يستحقها " .

ثم ذكر تفسير كل صنف : من هؤلاء الأصناف الثمانية ، وهو : فيما أنبأني أبو عبد الله الحافظ (إجازة ) ، قال : نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي (رحمه الله تعالى ) : " فأهل السهمان يجمعهم : أنهم أهل حاجة إلى ما لهم منها كلهم ، وأسباب حاجتهم مختلفة ، [وكذلك : أسباب استحقاقهم معان مختلفة ] يجمعها الحاجة ، ويفرق بينها صفاتها " .

" فإذا اجتمعوا : فالفقراء : الزمنى الضعاف الذين لا حرفة لهم ، [ ص: 162 ] وأهل الحرفة الضعيفة : الذين لا تقع حرفتهم موقعا من حاجتهم ، ولا يسألون الناس " .

" والمساكين : السؤال ، ومن لا يسأل : ممن له حرفة تقع منه موقعا ، ولا تغنيه ، ولا عياله " .

وقال في (كتاب فرض الزكاة ) : " الفقير (والله أعلم ) : من لا مال له ، ولا حرفة : تقع منه موقعا زمنا كان أو غير زمن ، سائلا كان أو متعففا " .

" والمسكين : من له مال ، أو حرفة : [لا ] تقع منه موقعا ، ولا تغنيه - : سائلا كان أو غير سائل " .

" قال الشافعي : والعاملون عليها : المتولون لقبضها من أهلها - : [ ص: 163 ] من السعاة ، ومن أعانهم : من عريف ، ومن لا يقدر على أخذها إلا بمعونته . سواء كانوا أغنياء ، أو فقراء " .

وقال في موضع آخر : " من ولاه الولي : قبضها ، وقسمها " . ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : " يأخذ من الصدقة ، [بقدر ] غنائه : لا يزاد عليه [وإن كان موسرا : لأنه يأخذ على معنى الإجارة ] " .

وأطال الشافعي الكلام : في المؤلفة قلوبهم ، وقال في خلال ذلك : " وللمؤلفة قلوبهم - في قسم الصدقات - : سهم " .

" والذي أحفظ فيه - : من متقدم الخبر . - : أن عدي بن حاتم ، جاء لأبي بكر الصديق (رضي الله عنه ) - أحسبه قال - : بثلاثمائة [ ص: 164 ] من الإبل ، من صدقات قومه . فأعطاه أبو بكر (رضي الله عنه ) [منها ] : ثلاثين بعيرا ، وأمره أن يلحق بخالد بن الوليد ، بمن أطاعه من قومه . [فجاءه ] بزهاء ألف رجل ، وأبلى بلاء حسنا " .

" قال : وليس في الخبر - في إعطائه إياها - : من أين أعطاه إياها ؟ غير أن الذي يكاد يعرف القلب - : بالاستدلال بالأخبار (والله أعلم ) . - : أنه أعطاه إياها ، من سهم المؤلفة قلوبهم " .

" فإما زاده : ليرغبه فيما صنع ، وإما أعطاه : ليتألف به غيره من قومه : ممن لا يثق منه ، بمثل ما يثق به من عدي بن حاتم " .

" قال : فأرى : أن يعطى من سهم المؤلفة قلوبهم - : في مثل هذا المعنى . - : إن نزلت بالمسلمين نازلة . ولن تنزل إن شاء الله تعالى " . ثم بسط الكلام في شرح النازلة .

[ ص: 165 ] قال : " والرقاب : المكاتبون من جيران الصدقة " .

قال : " والغارمون : صنفان (صنف ) : دانوا في مصلحتهم ، أو معروف ، وغير معصية ، ثم عجزوا عن أداء ذلك : في العرض ، والنقد . فيعطون في غرمهم : لعجزهم " .

" (وصنف ) : دانوا في حمالات ، وصلاح ذات بين ، ومعروف ، ولهم عروض : تحمل حمالاتهم أو عامتها ، وإن بيعت : أضر ذلك بهم ، وإن لم يفتقروا فيعطى هؤلاء : [ما يوفر عروضهم ، [ ص: 166 ] كما يعطى أهل الحاجة . من الغارمين ] حتى يقضوا غرمهم " .

قال : " وسهم سبيل الله : يعطى منه ، من أراد الغزو : من جيران الصدقة ، فقيرا كان أو غنيا " .

قال : " وابن السبيل : من جيران الصدقة : الذين يريدون السفر في غير معصية ، فيعجزون عن بلوغ سفرهم ، إلا بمعونة على سفرهم " .

وقال في القديم : " قال بعض أصحابنا : هو : لمن مر بموضع المصدق : ممن يعجز عن بلوغ حيث يريد ، إلا بمعونة . قال الشافعي : وهذا مذهب ، والله أعلم " .

والذي قاله في القديم - في غير روايتنا - : إنما هو في رواية الزعفراني عن الشافعي .

* * *

[ ص: 167 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية