الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
(أنا ) أبو سعيد بن أبي عمرو ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : " فرض الله (جل ثناؤه ) الصلاة على رسوله (صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع ، أولى منه في الصلاة ، ووجدنا الدلالة عن رسول الله [ ص: 72 ] (صلى الله عليه وسلم ) ، [بما ، وصفت : من أن الصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ] فرض في الصلاة والله أعلم " . فذكر حديثين : ذكرناهما في كتاب (المعرفة ) .

(وأنا ) أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني (رحمه الله ) ، أنا أبو سعيد بن الأعرابي ، أنا الحسن بن محمد الزعفراني ، نا محمد بن إدريس الشافعي قال : " أنا مالك ، عن نعيم بن عبد الله المجمر - : أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري - وعبد الله بن زيد هو : الذي [كان ] أري النداء بالصلاة . - أخبره ، عن أبي مسعود الأنصاري ، أنه قال : أتانا رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا نبي الله ، فكيف نصلي عليك ؟ فسكت النبي (صلى الله عليه وسلم ) ، حتى تمنينا أنه لم يسأله . فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : قولوا : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، في العالمين ، إنك حميد مجيد " .

[ ص: 73 ] ورواه المزني ، وحرملة عن الشافعي ، وزاد فيه : " والسلام كما [قد ] علمتم " . وفي هذا : إشارة إلى السلام الذي في التشهد ، على النبي (صلى الله عليه وسلم ) ، وذلك : في الصلاة . فيشبه : أن تكون الصلاة التي أمر بها (عليه السلام ) - أيضا - في الصلاة ، والله أعلم .

قال الشافعي (رحمه الله ) - في رواية حرملة - : " والذي أذهب إليه - من هذا - : حديث أبي مسعود ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم ) . وإنما ذهبت إليه : لأني رأيت الله (عز وجل ) ذكر ابتداء صلاته على نبيه (صلى الله عليه وسلم ) ، وأمر المؤمنين بها ، فقال : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) ، وذكر صفوته من خلقه ، فأعلم : أنهم أنبياؤه ، ثم ذكر صفوته من آلهم ، فذكر : أنهم أولياء أنبيائه ، فقال : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) . وكان حديث أبي مسعود - : أن ذكر الصلاة على محمد وآل محمد . - يشبه عندنا لمعنى الكتاب ، والله أعلم " .

" قال الشافعي : وإني لأحب : أن يدخل - مع آل محمد (صلى الله عليه وسلم ) - [ ص: 74 ] أزواجه ، وذريته حتى يكون قد أتى ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " .

" قال الشافعي (رحمه الله ) : واختلف الناس في آل محمد (صلى الله عليه وسلم ) ، فقال منهم قائل : آل محمد : أهل دين محمد . ومن ذهب هذا المذهب ، أشبه أن يقول : قال الله تعالى لنوح : ( احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك ) ، وحكى [فقال ] ( إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ) الآية . [فأخرجه بالشرك عن أن يكون من أهل نوح ] " .

" قال الشافعي : والذي نذهب إليه في معنى [هذه ] الآية : أن قول الله (عز وجل ) : ( إنه ليس من أهلك ) يعني الذين أمرنا [ك ] بحملهم معك . (فإن قال قائل ) : وما دل على ما وصفت ؟ (قيل ) : قال الله - عز وجل - : ( وأهلك إلا من سبق عليه القول ) ، فأعلمه أنه أمره : بأن يحمل من أهله ، من لم يسبق عليه القول : أنه أهل معصية ؛ [ ص: 75 ] ثم بين له ، فقال : ( إنه عمل غير صالح ) " .

" قال الشافعي : وقال قائل : آل محمد : أزواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم ) . فكأنه ذهب : إلى أن الرجل يقال له : ألك أهل ؟ فيقول : لا ، وإنما يعني : ليست لي زوجة " .

" قال الشافعي : وهذا معنى يحتمله اللسان ، ولكنه معنى كلام لا يعرف ، إلا أن يكون له سبب كلام يدل عليه . وذلك : أن يقال للرجل : تزوجت ؟ فيقول : ما تأهلت فيعرف - بأول الكلام - أنه أراد : تزوجت أو يقول الرجل : أجنبت من أهلي فيعرف : أن الجنابة إنما تكون من الزوجة . فأما أن يبدأ الرجل - فيقول : أهلي ببلد كذا ، أو أنا أزور أهلي ، وأنا عزيز الأهل ، وأنا كريم الأهل . - : فإنما يذهب الناس في هذا : إلى أهل البيت " .

" وذهب ذاهبون : إلى أن آل محمد (صلى الله عليه وسلم ) : قرابة محمد (صلى الله عليه وسلم ) : التي ينفرد بها دون غيرها : من قرابته " .

" قال الشافعي (رحمه الله ) : وإذا عد [من ] آل الرجل : ولده [ ص: 76 ] الذين إليه نسبهم ، ومن يأويه بيته : من زوجه أو مملوكه أو مولى أو أحد ضمه عياله ، وكان هذا في بعض قرابته من قبل أبيه ، دون قرابته من قبل أمه ، وكان يجمعه قرابة في بعض قرابته من قبل أبيه ، دون بعض . - : فلم يجز أن يستعمل على ما أراد الله (عز وجل ) من هذا ، ثم رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) إلا بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : " إن الصدقة لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد ، وإن الله حرم علينا الصدقة ، وعوضنا منها الخمس " دل هذا على أن آل محمد : الذين حرم الله عليهم الصدقة ، وعوضهم منها الخمس . " وقال الله - عز وجل - : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) . فكانت هذه الآية في معنى قول النبي (صلى الله عليه وسلم ) : " إن الصدقة لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد " ، وكان الدليل عليه : أن لا يوجد أمر يقطع العنت ، ويلزم أهل العلم (والله أعلم ) إلا الخبر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) . فلما فرض الله على نبيه (صلى الله عليه وسلم ) : أن يؤتي ذا القربى حقه ، وأعلمه : أن لله خمسه ، وللرسول ، ولذي القربى ، فأعطى سهم ذي القربى ، في بني هاشم ، وبني المطلب - : دل ذلك على أن الذين أعطاهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) الخمس ، هم : [ ص: 77 ] آل محمد الذين أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) بالصلاة عليهم معه ، والذين اصطفاهم من خلقه ، بعد نبيه (صلى الله عليه وسلم ) . فإنه يقول : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) ، فاعلم : أنه اصطفى الأنبياء (صلوات الله عليهم ) ، [وآلهم ] " .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية