الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
(أنا ) أبو سعيد بن أبي عمرو ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي - رحمه الله - : " قال الله - تبارك وتعالى - : ( فتيمموا صعيدا طيبا ) .

قال : وكل ما وقع عليه اسم صعيد لم يخالطه نجاسة ، فهو : صعيد طيب يتيمم به . ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذي غبار ، فأما البطحاء [ ص: 48 ] الغليظة ، والرقيقة ، والكثيب الغليظ ، فلا يقع عليه اسم صعيد " .

وبهذا الإسناد قال الشافعي : " قال الله - تبارك وتعالى - : ( إذا قمتم إلى الصلاة ) الآية وقال في سياقها ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) فدل حكم الله (عز وجل ) على أنه أباح التيمم في حالين : إحداهما : السفر ، والإعواز من الماء . والأخرى : المرض في حضر كان أو سفر . ودل [ذلك] على أن على المسافر طلب الماء ، لقوله : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا ) وكان كل من خرج مجتازا من بلد إلى غيره ، يقع عليه اسم السفر قصر السفر أو طال . ولم أعلم من السنة دليلا على أن لبعض المسافرين أن يتيمم دون بعض فكان ظاهر القرآن أن كل من سافر سفرا قريبا أو بعيدا يتيمم " .

قال : " وإذا كان مريضا بعض المرض : تيمم حاضرا أو مسافرا ، أو واجدا للماء أو غير واجد له ، والمرض اسم جامع لمعان لأمراض مختلفة ؛ فالذي سمعت : أن المرض - الذي للمرء أن يتيمم فيه - : الجراح ، والقرح دون الغور كله مثل الجراح ؛ لأنه يخاف في كله - إذا ما مسه الماء - أن ينطف ، فيكون من النطف التلف ، والمرض المخوف " . [ ص: 49 ] وقال في القديم (رواية الزعفراني عنه ) : " يتيمم إن خاف [إن مسه الماء ] التلف ، أو شدة الضنى " . وقال في كتاب البويطي : " فخاف ، إن أصابه الماء ، أن يموت ، أو يتراقى عليه إلى ما هو أكثر منها تيمم ، وصلى ، ولا إعادة عليه . لأن الله تعالى أباح للمريض التيمم . وقيل : ذلك المرض : الجراح ، والجدري . وما كان في معناهما : من المرض - عندي مثلهما ، وليس الحمى ، وما أشبهها - : من الرمد ، وغيره . - عندي ، مثل ذلك " .

قال الشافعي - في روايتنا : " جعل الله المواقيت للصلاة ، فلم يكن لأحد أن يصليها قبلها ، وإنما أمر بالقيام إليها إذا دخل وقتها ، وكذلك أمر بالتيمم عند القيام إليها ، والإعواز من الماء . فمن تيمم لصلاة قبل دخول وقتها ، وطلب الماء لها - : لم يكن له أن يصليها بذلك التيمم " .

* * *

أخبرنا أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله ) : " وإنما قلت : لا يتوضأ رجل بماء قد توضأ به غيره ؛ لأن الله (جل ثناؤه ) يقول ( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ) فكان معقولا أن الوجه لا يكون مغسولا إلا بأن يبتدأ له بماء فيغسل به ، ثم عليه في اليدين عندي - مثل ما عليه في الوجه [من ] أن يبتدئ لهما ماء فيغسلهما به . فلو أعاد عليهما الماء [ ص: 50 ] الذي غسل به الوجه - : كان كأنه لم يسو بين يديه ، ووجهه ، ولا يكون مسويا بينهما ، حتى يبتدئ لهما الماء ، كما ابتدأ للوجه . وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أخذ لكل عضو ماء جديدا " .

وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (رحمه الله ) : " قال الله - عز وجل - : ( فاغسلوا وجوهكم ) إلى : ( وأرجلكم إلى الكعبين ) . فاحتمل أمر الله (تبارك وتعالى ) بغسل القدمين : أن يكون على كل متوضئ ، واحتمل : أن يكون على بعض المتوضئين دون بعض . فدل مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخفين - : أنها على من لا خفين عليه [إذا هو ] لبسهما على كمال طهارة كما دل صلاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) صلاتين بوضوء واحد ، وصلوات بوضوء واحد - : على أن فرض الوضوء ممن قام إلى الصلاة ، على بعض القائمين دون بعض ، لا : أن المسح خلاف لكتاب الله ، ولا الوضوء على القدمين " . زاد - في روايتي ، عن أبي عبد الله ، عن أبي العباس ، عن الربيع ، عنه - : " إنما يقال : " الغسل كمال ، والمسح رخصة كمال ، وأيهما شاء فعل " .

[ ص: 51 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية