الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال الشيخ (رحمه الله ) : قرأت في كتاب القديم (رواية الزعفراني ، عن الشافعي ) - في قوله - عز وجل - : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) . - : " فهذا - عندنا - : على القراءة التي تسمع خاصة ؟ فكيف ينصت لما لا يسمع ؟ ! " .

وهذا : قول كان يذهب إليه ، ثم رجع عنه في آخر عمره ، وقال : " يقرأ بفاتحة الكتاب ، في نفسه ، في سكتة الإمام " . قال أصحابنا : " ليكون جامعا بين الاستماع ، وبين قراءة الفاتحة بالسنة " .

" وإن قرأ مع الإمام ، ولم يرفع بها صوته - : لم تمنعه قراءته في نفسه ، من الاستماع لقراءة إمامه . فإنما أمرنا : بالإنصات عن الكلام ، وما لا يجوز في الصلاة " . وهو مذكور بدلائله ، في غير هذا الموضع .

* * *

[ ص: 78 ] وقرأت في كتاب السنن (رواية حرملة ، عن الشافعي ، - رحمه الله - ) : قال : " قال الله - تبارك وتعالى - : ( وقوموا لله قانتين ) . قال الشافعي : من خوطب بالقنوت مطلقا ، ذهب : إلى أنه : قيام في الصلاة . وذلك : أن القنوت : قيام لمعنى طاعة الله (عز وجل ) ، وإذا كان هكذا : فهو موضع كف عن قراءة ، وإذا كان هكذا ، أشبه : أن يكون قياما - في صلاة - لدعاء ، لا قراءة . فهذا أظهر معانيه ، وعليه دلالة السنة ، وهو أولى المعاني أن يقال به ، عندي ، والله أعلم " .

" قال الشافعي (رحمه الله ) : وقد يحتمل القنوت : القيام كله في الصلاة .

وروي عن عبد الله بن عمر : " قيل : أي الصلاة ؟ قال : طول القنوت " .

وقال طاوس : القنوت ، طاعة الله - عز وجل - " .

" وقال الشافعي (رحمه الله ) : وما ، وصفت - : من المعنى الأول . - أولى المعاني به ، والله أعلم " .

" قال : فلما كان القنوت بعض القيام ، دون بعض - : لم يجز (والله أعلم ) أن يكون إلا ما دلت عليه السنة : من القنوت للدعاء ، دون القراءة " .

" قال : واحتمل قول الله (عز وجل ) : ( وقوموا لله قانتين ) : قانتين [ ص: 79 ] في الصلاة كلها ، وفي بعضها دون بعض . فلما قنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) في الصلاة ، ثم ترك القنوت في بعضها ، وحفظ عنه القنوت في الصبح بخاصة - : دل هذا على أنه إن كان الله أراد بالقنوت : القنوت في الصلاة ، فإنما أراد به خاصا " .

" واحتمل : أن يكون في الصلوات ، في النازلة . واحتمل طول القنوت : طول القيام . واحتمل القنوت : طاعة الله واحتمل السكات " .

" قال الشافعي . ولا أرخص في ترك القنوت في الصبح ، سأل : لأنه إن كان اختيارا من الله ، ومن رسوله (صلى الله عليه وسلم ) : لم أرخص في ترك الاختيار ، وإن كان فرضا : كان مما لا يتبين تركه ، ولو تركه تارك : كان عليه أن يسجد للسهو كما يكون ذلك عليه : لو ترك الجلوس في شيء " .

قال الشيخ - في قوله : " احتمل السكات " . - : أراد : السكوت عن كلام الآدميين ، وقد روينا عن زيد بن أرقم : " أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة ، فنزلت هذه الآية . قال : فنهينا عن الكلام ، وأمرنا بالسكوت " .

[ ص: 80 ] وروينا عن أبي رجاء العطاردي : أنه قال : " صلى بنا ابن عباس صلاة الصبح - ، وهو أمير على البصرة - ، فقنت ، ورفع يديه : حتى لو أن رجلا بين يديه لرأى بياض إبطيه ، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه ، فقال : هذه الصلاة : التي ذكرها الله (عز وجل ) في كتابه : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) " .

التالي السابق


الخدمات العلمية