الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
(أنبأني ) أبو عبد الله الحافظ (إجازة ) : أن أبا العباس (محمد بن يعقوب ) حدثهم : أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، قال : " قال الله - عز وجل - : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ) إلى قوله : [ ص: 208 ] ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ) " .

" قال الشافعي : [قوله ] : ( واللاتي تخافون نشوزهن ) يحتمل : إذا رأى الدلالات - في أفعال المرأة ، وأقاويلها - على النشوز ، وكان للخوف موضع - : أن يعظها ، فإن أبدت نشوزا : هجرها ، فإن أقامت عليه : ضربها " .

[ ص: 209 ] " وذلك : أن العظة مباحة قبل فعل المكروه - : إذا رئيت أسبابه ، وأن لا مؤنة فيها عليها تضر بها . وإن العظة غير محرمة [من المرء ] لأخيه : فكيف لامرأته ؟ ! والهجر لا يكون إلا بما يحل به : لأن الهجرة محرمة - في غير هذا الموضع - فوق ثلاث . والضرب لا يكون إلا ببيان الفعل " .

" [فالآية في العظة ، والهجرة ، والضرب على بيان الفعل ] : تدل على أن حالات المرأة في اختلاف ما تعاتب فيه وتعاقب - : من العظة ، والهجرة ، والضرب . - : مختلفة . فإذا اختلفت : فلا يشبه معناها إلا ما وصفت " .

" وقد يحتمل قوله تعالى : ( تخافون نشوزهن ) : إذا نشزن ، فخفتم [ ص: 210 ] لجاجتهن في النشوز - : أن يكون لكم جمع العظة ، والهجرة ، والضرب " .

* * *

وبإسناده ، قال : [قال ] الشافعي (رحمه الله ) : " قال الله - تبارك وتعالى - : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) الآية " .

" الله أعلم بمعنى ما أراد : من خوف الشقاق الذي إذا بلغاه : أمره أن يبعث حكما من أهله ، وحكما من أهلها " .

" والذي يشبه ظاهر الآية : فما عم الزوجين [معا ، حتى يشتبه [ ص: 211 ] فيه حالاهما - : من الإباية ] " .

" [وذلك : أني وجدت الله (عز وجل ) أذن في نشوز الزوج ] : بأن يصطلحا ، وأذن في نشوز المرأة : بالضرب ، وأذن - في خوفهما : أن لا يقيما حدود [الله ] - : بالخلع " .

ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : " فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينه : بالحكمين دل ذلك : على أن حكمهما [غير حكم الأزواج غيرهما ] : أن يشتبه حالاهما في الشقاق : فلا يفعل الرجل : الصلح [ ص: 212 ] ولا الفرقة ، ولا المرأة : تأدية الحق ، ولا الفدية ، ويصيران - : من القول ، والفعل . - إلى ما لا يحل لهما ، ولا يحسن ، ويتماديان فيما ليس لهما : فلا يعطيان حقا ، ولا يتطوعان [ولا واحد منهما ، بأمر : يصيران به في معنى الأزواج غيرهما ] " .

" فإذا كان هكذا : بعث حكما من أهله ، وحكما من أهلها . ولا يبعثهما : إلا مأمونين ، وبرضا الزوجين . ويوكلهما الزوجان : بأن يجمعا ، أو يفرقا : إذا رأيا ذلك " .

[ ص: 213 ] وأطال الكلام في شرح ذلك ، ثم قال في آخره : " ولو قال قائل : يجبرهما السلطان على الحكمين كان مذهبا " .

* * *

وبإسناده ، قال : قال الشافعي : " قال الله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) " .

" يقال (والله أعلم ) : نزلت في الرجل : يكره المرأة ، فيمنعها - : كراهية لها . - حق الله (عز وجل ) : في عشرتها بالمعروف ، ويحبسها - : مانعا حقها . - : ليرثها عن [غير ] طيب نفس منها ، بإمساكه إياها على المنع " .

" فحرم الله (عز وجل ) ذلك : على هذا المعنى ، وحرم على الأزواج : [ ص: 214 ] أن يعضلوا النساء : ليذهبوا ببعض ما أوتين واستثنى : ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) " .

" [وإذا أتين بفاحشة مبينة ] - ، وهي : الزنا . - ، فأعطين بعض ما أوتين - : ليفارقن . - : حل ذلك إن شاء الله . ولم يكن معصيتهن الزوج - فيما يجب له - بغير فاحشة : أولى أن يحل ما أعطين ، من : أن يعصين الله (عز وجل ) ، والزوج ، بالزنا " .

" قال : وأمر الله (عز وجل ) - في اللائي : يكرههن أزواجهن ، ولم يأتين بفاحشة . - : أن يعاشرن بالمعروف . وذلك : تأدية الحق ، وإجمال العشرة " .

" وقال تعالى : ( فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا [ ص: 215 ] ويجعل الله فيه خيرا كثيرا " ) .

" فأباح عشرتهن - على الكراهية - : بالمعروف ، وأخبر : أن الله (عز وجل ) قد يجعل في الكره خيرا كثيرا " .

" والخير الكثير : الأجر في الصبر ، وتأدية الحق إلى من يكره ، أو التطول عليه " .

" وقد يغتبط - : وهو كاره لها . - : بأخلاقها ، ودينها ، وكفاءتها ، وبذلها ، وميراث : إن كان لها . وتصرف حالاته إلى الكراهية لها ، بعد الغبطة [بها ] " .

وذكرها في موضع آخر - هو : لي مسموع عن أبي سعيد ، عن [أبي ] العباس ، عن الربيع ، عن الشافعي . - ، وقال فيه :

" وقيل : " إن هذه الآية نسخت ، وفي معنى : ( فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) نسخت بآية الحدود : فلم يكن على امرأة ، حبس : يمنع [به ] [ ص: 216 ] حق الزوجة على الزوج ، وكان عليها الحد " .

وأطال الكلام فيه ؛ وإنما أراد : نسخ الحبس على منع حقها : إذا أتت بفاحشة ، والله أعلم .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية