الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
(أنا ) أبو سعيد بن أبي عمرو ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : " قال الله - عز وجل - : ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ) " .

" قال الشافعي : حرم الله (عز وجل ) الأم ، والأخت : من الرضاعة واحتمل تحريمهما معنيين " .

" (أحدهما ) - : إذ ذكر الله تحريم الأم ، والأخت من الرضاعة ، فأقامهما : في التحريم ، مقام الأم ، والأخت من النسب - : أن تكون الرضاعة كلها ، تقوم مقام النسب : فما حرم بالنسب حرم بالرضاعة مثله " .

" وبهذا ، نقول : بدلالة سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ، والقياس على القرآن " .

" (والآخر ) : أن يحرم من الرضاع الأم ، والأخت ، ولا يحرم سواهما " .

[ ص: 257 ] ثم ذكر دلالة السنة ، لما اختار : من المعنى الأول .

قال الشافعي (رحمه الله ) : " والرضاع اسم جامع ، يقع : على المصة ، وأكثر منها : إلى كمال إرضاع الحولين . ويقع : على كل رضاع : وإن كان بعد الحولين " .

" فاستدللنا : أن المراد بتحريم الرضاع : بعض المرضعين ، دون بعض . لا : من لزمه اسم : رضاع " .

وجعل نظير ذلك : آية السارق والسارقة ، وآية الزاني والزانية ، وذكر الحجة في وقوع التحريم بخمس رضعات .

[ ص: 258 ] واحتج في الحولين بقول الله (عز وجل ) : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) .

[ثم قال ] : " فجعل (عز وجل ) تمام الرضاعة : حولين [كاملين ] ، وقال : ( فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ) يعني (والله أعلم ) : قبل الحولين " .

" فدل إرخاصه (جل ثناؤه ) - : في فصال المولود ، عن تراضي والديه وتشاورهما ، قبل الحولين . - : على أن ذلك إنما يكون : باجتماعهما على فصاله ، قبل الحولين " .

" وذلك لا يكون (والله أعلم ) إلا بالنظر للمولود من والديه : أن يكونا يريان : فصاله قبل الحولين ، خيرا من إتمام الرضاع له : لعلة [ ص: 259 ] تكون به ، أو بمرضعه - : وإنه لا يقبل رضاع غيرها . - ، وما أشبه هذا " .

" وما جعل الله (تعالى ) له ، غاية - [فالحكم ] بعد مضي الغاية ، فيه : غيره قبل مضيها . قال الله - عز وجل - : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) ؛ فحكمهن - بعد مضي ثلاثة أقراء - : غير حكمهن فيها . وقال تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) ، فكان لهم : أن يقصروا مسافرين ، وكان - في شرط القصر لهم : بحال موصوفة . - دليل : على أن حكمهم في غير تلك الصفة : غير القصر " .

* * *

[ ص: 260 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية