الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
(أنا ) أبو عبد الله الحافظ ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالا : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي : " أنا معاذ بن موسى ، عن بكير [ ص: 276 ] بن معروف ، عن مقاتل بن حيان قال [معاذ ] : قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن نفر - حفظ معاذ منهم : مجاهدا ، والحسن ، والضحاك بن مزاحم . - في قوله - عز وجل - ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ) إلى آخر الآية " .

" قال : كان كتب على أهل التوراة : من قتل نفسا بغير نفس ، حق : أن يقاد بها ، ولا يعفى عنه ، ولا يقبل منه الدية . وفرض على أهل الإنجيل : أن يعفى عنه ، ولا يقتل . ورخص لأمة محمد (صلى الله عليه وسلم ) : إن شاء قتل ، وإن شاء أخذ الدية ، وإن شاء عفى . فذلك : قوله - عز وجل - : ( ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ) يقول : الدية تخفيف من الله : إذ جعل الدية ، ولا يقتل . ثم قال : ( فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ) يقول : فمن قتل بعد أخذ الدية : فله عذاب أليم " .

[ ص: 277 ] " وقال - في قوله - عز وجل - : ( ولكم في القصاص حياة ) . - : يقول : لكم في القصاص ، حياة ينتهي بها بعضكم عن بعض ، أن يصيب : مخافة أن يقتل " .

(وأخبرنا ) أبو عبد الله ، وأبو زكريا قالا : أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي : " أنا ابن عيينة ، أنا عمرو بن دينار ، قال : سمعت مجاهدا ، يقول : سمعت ابن عباس ، يقول : كان في بني إسرائيل القصاص ، ولم يكن فيهم الدية ، فقال الله (عز وجل ) لهذه الأمة : ( كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء ) ، فإن العفو : أن يقبل [ ص: 278 ] الدية في العمد [ ( فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ) ] : مما كتب على من كان قبلكم ( فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ) " .

قال الشافعي - في رواية أبي عبد الله - : " وما قال ابن عباس في هذا ، كما قال (والله أعلم ) . وكذلك : قال مقاتل . وتقصي مقاتل فيه : أكثر من تقصي ابن عباس " .

" والتنزيل يدل على ما قال مقاتل : لأن الله (جل ثناؤه ) - : إذ ذكر القصاص ، ثم قال : ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ) . - لم يجز (والله أعلم ) أن يقال : إن عفي : إن صولح على أخذ الدية ؛ لأن العفو : ترك حق بلا عوض ، فلم [ ص: 279 ] يجز إلا أن يكون : إن عفي عن القتل ، فإذا عفي : لم يكن إليه سبيل ، وصار لعافي القتل مال في مال القاتل - ، وهو : دية قتيله . - : فيتبعه بمعروف ، ويؤدي إليه القاتل بإحسان " .

" وإن كان : إذا عفا عن القاتل ، لم يكن له شيء - : لم يكن للعافي : أن يتبعه ، ولا على القاتل : شيء يؤديه بإحسان " .

" قال : وقد جاءت السنة - مع بيان القرآن - : [في ] مثل معنى القرآن " . فذكر حديث أبي شريح [الكعبي ] : أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) قال : " من قتل بعده قتيلا ، فأهله بين خيرتين : إن [ ص: 280 ] أحبوا : قتلوه ، وإن أحبوا أخذوا العقل " .

قال الشافعي : " قال الله - عز وجل - : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) ، وكان معلوما عند أهل العلم - : ممن خوطب بهذه الآية . - أن ولي المقتول : من جعل الله له ميراثا منه " .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية