الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
(أنا ) أبو سعيد بن أبي عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي : " أنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت هذه الآية : ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) ؛ فكتب عليهم : أن لا يفر العشرون من المائتين ؛ [ ص: 40 ] فأنزل الله عز وجل : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ) ؛ فخفف عنهم ، وكتب : أن لا يفر مائة من مائتين ".

" قال الشافعي : هذا : كما قال ابن عباس إن شاء الله ؛ مستغنى فيه : بالتنزيل ، عن التأويل . لما كتب الله : أن لا يفر العشرون من المائتين ؛ فكان هكذا : الواحد من العشرة . ثم خفف الله عنهم ؛ فصير الأمر : إلى أن لا يفر المائة من المائتين . وذلك : أن لا يفر الرجل من الرجلين ". .

[ ص: 41 ] وروى الشافعي بإسناد آخر عن ابن عباس ، قال : " من فر من ثلاثة : فلم يفر ؛ ومن فر من اثنين : فقد فر ".

قال الشافعي : " قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ) ".

قال الشافعي (رحمه الله ) : " فإذا فر الواحد من اثنين فأقل : متحرفا لقتال يمينا ، وشمالا ، ومدبرا : ونيته العودة للقتال ؛ أو : [ ص: 42 ] متحيزا إلى فئة : [من المسلمين ] : قلت أو كثرت ، كانت بحضرته أو مبينة عنه - : فسواء ؛ إنما يصير الأمر في ذلك إلى نية المتحرف ، أو المتحيز : فإن [كان ] الله (عز وجل ) يعلم : أنه إنما تحرف : ليعود للقتال ، أو تحيز لذلك - : فهو الذي استثنى الله (عز وجل ) : فأخرجه من سخطه في التحرف والتحيز ".

" وإن كان لغير هذا المعنى : فقد خفت عليه أن يكون قد باء بسخط من الله ؛ إلا أن يعفو الله [عنه ] ". .

[ ص: 43 ] قال : " وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم : لم أحب لهم : أن يولوا عنهم ؛ ولا يستوجبون السخط عندي ، من الله (عز وجل ) : لو ولوا عنهم على غير التحرف للقتال ، أو التحيز إلى فئة . لأنا بينا : أن الله (جل ثناؤه ) إنما يوجب سخطه على من ترك فرضه ؛ و : أن فرض الله في الجهاد ، إنما هو : على أن يجاهد المسلمون ضعفهم من العدو ". .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية