الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
(أنا ) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : " قال الله (تبارك وتعالى ) لنبيه (صلى الله عليه وسلم ) في أهل الكتاب : ( فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) ".

" قال الشافعي : في هذه الآية ، بيان (والله أعلم ) : أن الله (عز وجل ) جعل لنبيه (صلى الله عليه وسلم ) الخيار : في أن يحكم بينهم ، أو يعرض عنهم . وجعل عليه - : إن حكم . - : أن يحكم بينهم بالقسط . والقسط : حكم الله الذي أنزل على نبيه (صلى الله عليه وسلم ) : المحض الصادق ، أحدث الأخبار عهدا بالله (عز وجل ) . قال الله عز وجل : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ) الآية. قال : وفي هذه الآية ، ما في التي قبلها : من أمر الله (عز وجل ) [ ص: 74 ] له ، بالحكم : بما أنزل الله إليه ".

" قال : وسمعت من أرضى - : من أهل العلم . - يقول في قول الله عز وجل : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) : إن حكمت ؛ لا : عزما أن تحكم ". .

ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : " أنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس - أنه قال : كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء : وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه (صلى الله عليه وسلم ) : أحدث الأخبار ، تقرؤونه محضا : لم يشب . ؟ ! [ ص: 75 ] ألم يخبركم الله في كتابه : أنهم حرفوا كتاب الله (عز وجل ) وبدلوا ، وكتبوا كتابا بأيديهم ، فقالوا : ( هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) . ؟ ! ألا ينهاكم العلم الذي جاءكم ، عن مسألتهم ؟ ! والله : ما رأينا رجلا منهم قط : يسألكم عما أنزل الله إليكم ". .

هذا : قوله في كتاب الحدود ؛ وبمعناه : أجاب في كتاب القضاء باليمين مع الشاهد ؛ وقال فيه :

" فسمعت من أرضى علمه ، يقول : ( وأن احكم بينهم ) : إن حكمت ؛ على معنى قوله : ( فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) . فتلك : مفسرة ؛ وهذه : جملة ".

" وفي قوله عز وجل : ( فإن تولوا ) ؛ دلالة : على أنهم إن تولوا : لم يكن عليه الحكم بينهم . ولو كان قول الله عز وجل : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) ؛ إلزاما منه للحكم بينهم - : [ ص: 76 ] ألزمهم الحكم : متولين . لأنهم إنما يتولون : بعد الإتيان ؛ فأما : ما لم يأتوا ؛ فلا يقال لهم : تولوا ". .

وقد أخبرنا أبو سعيد - في كتاب الجزية - : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : " لم أعلم مخالفا - : من أهل العلم بالسير . - : أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) لما نزل المدينة : وادع يهود كافة على غير جزية ؛ [و ] أن قول الله (عز وجل ) : ( فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) ؛ إنما نزلت : في اليهود الموادعين : الذين لم يعطوا جزية ، ولم يقروا : بأن تجري عليهم . وقال بعضهم : نزلت في اليهوديين اللذين زنيا ".

" قال : والذي قالوا ، يشبه ما قالوا ؛ لقول الله عز وجل : ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ) ؛ [ ص: 77 ] وقال : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) . . . ( فإن تولوا ) ؛ يعني (والله أعلم ) : فإن تولوا عن حكمك [بغير رضاهم ] . فهذا يشبه : أن يكون ممن أتاك : غير مقهور على الحكم ".

" والذين حاكموا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) - في امرأة منهم ورجل : زنيا . - : موادعون ؛ فكان في التوراة : الرجم ؛ ورجوا : أن لا يكون من حكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) . فجاؤوا بهما : فرجمهما رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ". . وذكر فيه حديث ابن عمر .

قال الشافعي : " فإذا وادع الإمام قوما - : من أهل الشرك . [ ص: 78 ] ولم يشترط : أن يجري عليهم الحكم ؛ ثم جاؤوه متحاكمين - : فهو بالخيار : بين أن يحكم بينهم ، أو يدع الحكم . فإن اختار أن يحكم بينهم : حكم بينهم حكمه بين المسلمين . فإن امتنعوا - بعد رضاهم بحكمه - : حاربهم ".

" قال : وليس للإمام الخيار في أحد - : [من ] المعاهدين : الذين يجري عليهم الحكم . - : إذا جاؤوه في حد لله (عز وجل ) . وعليه : أن يقيمه ".

" قال : وإذا أبى بعضهم على بعض ، ما فيه [له ] حق عليه ؛ فأتى طالب الحق إلى الإمام ، يطلب حقه - : فحق لازم للإمام (والله أعلم ) : أن يحكم [له ] على من كان له عليه حق : منهم ؛ [ ص: 79 ] وإن لم يأته المطلوب : راضيا بحكمه ؛ وكذلك : إن أظهر السخط لحكمه . لما وصفت : من قول الله عز وجل : ( وهم صاغرون ) . فكان الصغار (والله أعلم ) : أن يجري عليهم حكم الإسلام ". . وبسط الكلام في التفريع .

وكأنه وقف - حين صنف كتاب الجزية - : أن آية الخيار وردت في الموادعين ؛ فرجع عما قال - في كتاب الحدود - في المعاهدين : فأوجب الحكم بينهم بما أنزل الله (عز وجل ) . إذا ترافعوا إلينا .

* * *

[ ص: 80 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية