الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
(أنا ) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : " قال الله تبارك وتعالى : ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) ؛ فلم يأذن الله (عز وجل ) : في أن تؤخذ الجزية ممن أمر بأخذها منه ، حتى يعطيها عن يد : صاغرا ".

[ ص: 60 ] " قال : وسمعت رجالا - : من أهل العلم . - يقولون : الصغار : أن يجري عليهم حكم الإسلام . وما أشبه ما قالوا ، بما قالوا - : لامتناعهم من الإسلام ؛ فإذا جرى عليهم حكمه : فقد أصغروا بما يجري عليهم منه ". .

قال الشافعي : " وكان بينا في الآية (والله أعلم ) : أن الذين فرض قتالهم حتى يعطوا الجزية - : الذين قامت عليهم الحجة بالبلوغ : فتركوا دين الله (عز وجل ) ، وأقاموا على ما وجدوا عليه آباءهم : من أهل الكتاب ".

" وكان بينا : أن الله (عز وجل ) أمر بقتالهم عليها : الذين فيهم القتال ؛ وهم : الرجال البالغون . ثم أبان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) مثل معنى كتاب الله (عز وجل ) : فأخذ الجزية من المحتلمين ، دون [ ص: 61 ] من دونهم ، ودون النساء ". . وبسط الكلام فيه .

* * *

وبهذا الإسناد ، قال الشافعي : " قال الله تبارك وتعالى : ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) الآية ؛ فسمعت بعض أهل العلم ، يقول : المسجد الحرام : الحرم .

وسمعت عددا - : من أهل المغازي . - يروون : أنه كان في رسالة النبي (صلى الله عليه وسلم ) : لا يجتمع مسلم ومشرك ، في الحرم ، بعد عامهم هذا ". .

* * *

[ ص: 62 ] وبهذا الإسناد ، قال الشافعي : " فرض الله (عز وجل ) : قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا ، وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية وقال : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) . فبذا فرض على المسلمين ما أطاقوه ؛ فإذا عجزوا عنه : فإنما كلفوا منه ما أطاقوه ؛ فلا بأس : أن يكفوا عن قتال الفريقين : من المشركين ؛ وأن يهادنوهم ". .

ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : " فهادنهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) (يعني : أهل مكة ، بالحديبية . ) فكانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين ؛ ونزل عليه - في سفره - في أمرهم : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ) . قال الشافعي : قال [ ص: 63 ] ابن شهاب : فما كان في الإسلام فتح أعظم منه ". . وذكر : دخول الناس في الإسلام : حين أمنوا .

وذكر الشافعي - في مهادنة من يقوى على قتاله - : أنه " ليس له مهادنتهم على النظر : على غير جزية ؛ أكثر من أربعة أشهر . لقوله عز وجل : ( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) الآية وما بعدها ". .

قال الشافعي : " لما قوي أهل الإسلام : أنزل الله (تعالى ) على النبي (صلى الله عليه وسلم ) مرجعه من تبوك : ( براءة من الله ورسوله ) ". .

ثم ساق الكلام . إلى أن قال : " فقيل : كان الذين عاهدوا النبي [ ص: 64 ] (صلى الله عليه وسلم ) : قوما موادعين ، إلى غير مدة معلومة . فجعلها الله (عز وجل ) : أربعة أشهر ؛ ثم جعلها رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) كذلك . وأمر الله نبيه (صلى الله عليه وسلم ) في قوم - : عاهدهم إلى مدة ، قبل نزول الآية . - : أن يتم إليهم عهدهم ، إلى مدتهم : ما استقاموا له ؛ ومن خاف منه خيانة - : منهم - نبذ إليه . فلم يجز : أن يستأنف مدة ، بعد نزول الآية - : وبالمسلمين قوة . - إلى أكثر من أربعة أشهر ".

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية