الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
(أنا ) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : " قال الله جل ثناؤه [فيما حرم ، ولم يحل بالذكاة ] : ( وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ) ؛ وقال تعالى : ( إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) الآية ؛ وقال في ذكر ما حرم : ( فمن اضطر في مخمصة : غير متجانف لإثم ؛ فإن الله غفور رحيم ) ".

[ ص: 91 ] " قال الشافعي : فيحل ما حرم : من الميتة والدم ولحم الخنزير ؛ وكل ما حرم - : مما لا يغير العقل : من الخمر . - : للمضطر ".

" والمضطر : الرجل يكون بالموضع : لا طعام معه فيه ، ولا شيء يسد فورة جوعه - : من لبن ، وما أشبهه . - ويبلغه الجوع : ما يخاف منه الموت ، أو المرض : وإن لم يخف الموت ؛ أو يضعفه ، أو يضره ؛ أو يعتل ؛ أو يكون ماشيا : فيضعف عن بلوغ حيث يريد ؛ أو راكبا : فيضعف عن ركوب دابته ؛ أو ما في هذا المعنى : من الضرر البين ".

" فأي هذا ناله : فله أن يأكل من المحرم ؛ وكذلك : يشرب من المحرم : غير المسكر ؛ مثل : الماء : [تقع ] فيه الميتة وما أشبهه ".

[ ص: 92 ] " وأحب : أن يكون آكله : إن أكل ؛ وشاربه : إن شرب ؛ أو جمعهما - : فعلى ما يقطع عنه الخوف ، ويبلغ [به ] بعض القوة . ولا يبين : أن يحرم عليه : أن يشبع ويروى ؛ وإن أجزأه دونه - : لأن التحريم قد زال عنه بالضرورة . وإذا بلغ الشبع والري : فليس له مجاوزته ؛ لأن مجاوزته - : حينئذ . - إلى الضرر ، أقرب منها إلى النفع ". .

قال الشافعي : " فمن خرج سفرا : عاصيا لله ؛ لم يحل له شيء - : مما حرم عليه . - بحال : لأن الله (جل ثناؤه ) إنما أحل ما حرم ، بالضرورة - على شرط : أن يكون المضطر : غير باغ ، ولا عاد ، ولا متجانف لإثم ".

" ولو خرج : عاصيا ؛ ثم تاب ، فأصابته الضرورة بعد التوبة - : رجوت : أن يسعه أكل المحرم وشربه ".

[ ص: 93 ] " ولو خرج : غير عاص ؛ ثم نوى المعصية ؛ ثم أصابته ضرورة - : ونيته المعصية . - : خشيت أن لا يسعه المحرم ؛ لأني أنظر إلى نيته : في حال الضرورة ؛ لا : في حال تقدمتها ، ولا تأخرت عنها ". .

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (رحمه الله ) : " والحجة : في أن ما كان مباح الأصل ، يحرم : بمالكه ؛ حتى يأذن فيه مالكه . (يعني : وهو غير محجور عليه . ) : أن الله (جل ثناؤه ) قال : ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) ؛ وقال : ( وآتوا اليتامى أموالهم ) ؛ وقال : ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ) الآية. مع آي كثيرة - في كتاب الله عز وجل - : قد حظر فيها أموال الناس ، إلا : بطيب أنفسهم ؛ إلا : بما فرض الله : في كتابه ، ثم سنة نبيه (صلى الله عليه وسلم ) ؛ وجاءت به حجة ". .

[ ص: 94 ] قال : " ولو اضطر رجل ، فخاف الموت ؛ ثم مر بطعام لرجل - : لم أر بأسا : أن يأكل منه ما يرد من جوعه ؛ ويغرم له ثمنه ". . وبسط الكلام في شرحه .

قال : " وقد قيل : إن من الضرورة : أن يمرض الرجل ، المرض : يقول له أهل العلم به - أو يكون هو من أهل العلم به - : قلما يبرأ من كان به مثل هذا ، إلا : أن يأكل كذا ، أو يشربه . أو : يقال [له ] : إن أعجل ما يبريك : أكل كذا ، أو شرب كذا . فيكون له أكل ذلك وشربه : ما لم يكن خمرا - : إذا بلغ ذلك منها : أسكرته . - أو شيئا : يذهب العقل : من المحرمات أو غيرها ؛ فإن إذهاب العقل محرم ". .

[ ص: 95 ] وذكر حديث العرنيين : في بول الإبل وألبانها ، وإذن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : في شربها ، لإصلاحه لأبدانهم

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية