[ ص: 95 ] 
الفصل السادس 
توقع الكهان وملوك الأرض بعثته 
 50  - حدثنا  سليمان بن أحمد  إملاء سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة قال : ثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان الرقي  بمصر  سنة ثمانين ومائتين قال : ثنا عمرو بن بكير بن بكار القعنبي ،  عن أبي القاسم الطائي ،  عن الكلبي ،  عن  أبي صالح ،  عن  ابن عباس  قال : " لما ظهر سيف بن ذي يزن  على اليمن  وظفر بالحبشة  ونفاهم عنها - وذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين - أتته وفود العرب وأشرافها وشعراؤها تهنئه وتمدحه ، فأتاه وفد قريش ، وفيهم عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ،  وأمية بن عبد شمس ،  وعبد الله بن جدعان ،  وخويلد بن أسد بن عبد العزى ،  ووهب بن عبد مناف بن زهرة  في ناس من وجوه قريش ، فقدموا عليه بصنعاء  وهو في رأس قصر له يقال له : غمدان ، قال : فاستأذنوا عليه فأذن لهم ، فإذا الملك متضمخ بالعبير ينطف وبيص  [ ص: 96 ] المسك من مفرق رأسه ، وعن يمينه وعن شماله الملوك وأبناء الملوك والمقاول ، فلما دخلوا عليه ، دنا منه عبد المطلب ،  فاستأذنه في الكلام ، فقال له سيف بن ذي يزن :  إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك أذنا لك ، فقال عبد المطلب :  أيها الملك ، إن الله عز وجل قد أحلك محلا رفيعا ، شامخا منيعا ، وأنبتك منبتا طابت أرومته ، وغذيت جرثومته ، وثبت أصله ، وبسق فرعه ، في أطيب موطن ، وأكرم معدن ، فأنت - أبيت اللعن - رأس العرب وربيعها الذي تخصب به ، وأنت أيها الملك رأس العرب الذي له تنقاد ، وعمودها الذي عليه العماد ، ومعقلها الذي تلجأ إليه العباد ، سلفك لنا خير سلف ، وأنت لنا منهم خير خلف ، ولم يهلك من أنت خلفه ، ولم يخمل ذكر من أنت سلفه ، نحن أيها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته ، أشخصنا إليك الذي أبهجنا لكشفك الكرب الذي فدحنا ، فنحن وفد التهنئة ، لا وفد المرزئة . 
فقال سيف بن ذي يزن :  وأيهم أنت أيها المتكلم ؟ قال : أنا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ،  قال : ابن أختنا ؟ قال : نعم ، قال : فأدناه ، ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال : مرحبا وأهلا ، وناقة ورحلا ، ومستناخا سهلا ، وملكا ربحلا ، يعطي عطاء جزلا ، وقد سمع الملك مقالتكم ، وعرف قرابتكم ، وقبل وسيلتكم ، فأنتم أهل الليل والنهار ، ولكم الكرامة ما أقمتم ، والحباء إذا ظعنتم ، انهضوا إلى دار الضيافة والوفود ،  [ ص: 97 ] ، وأمر لهم بالإنزال ، فأقاموا شهرا لا يصلون إليه ، ولا يأمرهم بالانصراف ، ثم انتبه لهم انتباهة ، فأرسل إلى عبد المطلب  دونهم ، فلما دخل عبد المطلب  أدناه ، وقرب مجلسه ، واستحياه ثم قال : يا عبد المطلب ،  إني مفض إليك من سر علمي ما لو غيرك يكون لم أبح به ، ولكن وجدتك معدنه ، فأطلعتك طلعه ، فليكن عندك مطويا ، حتى يأذن الله عز وجل فيه ، فإن الله بالغ أمره ، إني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي اخترناه لأنفسنا ، واحتجبناه دون غيرنا خيرا عظيما ، وخطرا جسيما ، فيه شرف الحياة ، وفضيلة الوفاة للناس كافة ، ولرهطك عامة ، ولك خاصة . 
قال عبد المطلب :  مثلك أيها الملك سر وبر ، فما هو ؟ - فداك أهل الوبر ، زمرا بعد زمر . 
قال : إذا ولد بتهامة  غلام به علامة ، بين كتفيه شامة ، كانت له الإمامة ، ولكم به الزعامة ، إلى يوم القيامة .  
قال عبد المطلب :   - أبيت اللعن - لقد أبت بخير ما آب به وافد قوم ، ولولا هيبة الملك وإعظامه وإجلاله لسألته من بشارته إياي ما أزداد به سرورا . 
قال سيف بن ذي يزن :  هذا زمنه الذي يولد فيه ، أو قد ولد ؟ اسمه محمد ،  بين كتفيه شامة ، يموت أبوه وأمه ، ويكفله جده وعمه ، وقد وجدناه مرارا ، والله باعثه جهارا ، وجاعل له منا أنصارا ، يعز بهم أولياءه ، ويذل بهم أعداءه ، ويضرب بهم الناس عن عرض ، ويستبيح بهم كرائم الأرض  [ ص: 98 ] ، يعبد الرحمن ، ويدحر الشيطان ، ويخمد النيران ، ويكسر الأوثان ، قوله فصل ، وحكمه عدل ، يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ويبطله .  
قال عبد المطلب :  أيها الملك عز جارك ، وسعد جدك ، وعلا كعبك ، ونما أمرك ، وطال عمرك ، ودام ملكك ، فهل الملك ساري بإفصاح ، فقد أوضح بعض الإيضاح ؟ 
فقال سيف بن ذي يزن :  والبيت ذي الحجب ، والعلامات على النصب ، إنك يا عبد المطلب  لجده غير كذب قال : فخر عبد المطلب  ساجدا ، فقال : ارفع رأسك ، فقد ثلج صدرك ، وعلا أمرك ، فهل أحسست شيئا مما ذكرت لك ؟ 
قال عبد المطلب :  نعم أيها الملك ، إنه كان لي ابن ، وكنت به معجبا ، وعليه رقيقا ، فزوجته كريمة من كرائم قومي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ،  فجاءت بغلام سميته محمدا ،  مات أبوه وأمه ، وكفلته أنا وعمه ، بين كتفيه شامة ، وفيه كل ما ذكرت من علامة . 
قال سيف بن ذي يزن :  إن الذي ذكرت لك كما ذكرت لك ، فاحتفظ بابنك ، واحذر عليه اليهود ، فإنهم له أعداء ، ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا ، واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك ، فإني لست آمن أن تدخلهم النفاسة ، من أن تكون له الرئاسة ، فيبغون له الغوائل ، وينصبون له الحبائل ،  وهم فاعلون أو أبناؤهم ، ولولا أني أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي ، حتى أصير يثرب دار ملكي ، فإني أجد في الكتاب الناطق ، والعلم السابق ، أن بيثرب  استحكام أمره ، وموضع قبره ، وأهل نصرته ، ولولا أني أقيه من الآفات ، وأحذر عليه العاهات ، لأوطأت أسنان العرب كعبه ، ولأعلنت على حداثة من سنه ذكره ، ولكني صارف إليك ذلك من غير تقصير بمن معك  [ ص: 99 ] ، ثم أمر لكل واحد منهم بمائة من الإبل ، وعشرة أعبد ، وعشر إماء ، وعشرة أرطال من فضة ، وخمسة أرطال ذهبا ، وكرش مملوءة عنبرا ، وأمر لعبد المطلب  بعشرة أضعاف ذلك ، وقال له : إذا كان رأس الحول ، فآتني بخبره ، وما يكون من أمره ، فهلك ابن ذي يزن  قبل رأس الحول ، وكان عبد المطلب  يقول : لا يغبطني يا معشر قريش رجل منكم بجزيل عطاء الملك وإن كثر ، فإنه إلى نفاد ، ولكن ليغبطني بما يبقى لي شرفه وذكره ، ولعقبي من بعدي ، وكان إذا قيل له : ما ذاك ؟ قال : سيعلن ، ولو بعد حين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					