الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام ثانيا مع ميسرة غلام خديجة رضي الله عنها وقصة نسطورا الراهب

110 - أخبرنا أبو عمر ومحمد بن أحمد بن الحسين قال : ثنا الحسن بن الجهم قال : ثنا الحسين بن الفرج قال : ثنا محمد بن عمر الواقدي وثنا أبو محمد بن حيان قال : ثنا إسحاق بن إبراهيم بن جميل قال : ثنا إسحاق بن الفيض قال : ثنا إبراهيم بن أحمد البغدادي قال : ثنا محمد بن سعد ، عن محمد بن عمر الواقدي قال : ثنا موسى بن شيبة ، عن عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أم سعد بن الربيع عن نفيسة بنت أمية أخت يعلى سمعتها تقول : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة وليس له بمكة اسم إلا الأمين ، لما تكاملت فيه من خصال الخير ، قال له أبو طالب : يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي ، وقد اشتد الزمان علينا وألحت علينا سنون منكرة ، ليس لنا مادة ولا تجارة ، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام ، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها فيتجرون لها ويصيبون منافع ، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك وفضلتك على غيرك [ ص: 173 ] لما يبلغها من طهارتك ، وإني كنت لأكره أن تأتي الشام وأخاف عليك من اليهود ، ولكن لا نجد من ذلك بدا ، - وكانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة ، وتبعث بها إلى الشام ، فيكون عيرها كعامة عير قريش ، وكانت تستأجر الرجل ، وتدفع إليه المال مضاربة ، وكانت قريش قوما تجارا ، من لم يكن تاجرا فليس عندهم بشيء - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فلعلها أن ترسل إلي في ذلك ، قال أبو طالب : إني أخاف أن تولي غيرك ، فتطلب أمرا مدبرا ، فافترقا ، فبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له ، وقبل ذلك ما قد بلغها من صدق حديثه ، وعظم أمانته ، وكرم أخلاقه فقالت : ما دريت أنه يريد هذا ، ثم أرسلت إليه فقالت : إنه قد دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك ، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك ، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقي أبا طالب فقال له ذلك ، فقال : إن هذا لرزق ساقه الله إليك ، فخرج مع غلامها " ميسرة " حتى قدم الشام ، وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدم الشام ، فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان يقال له " نسطورا " .

قال : فتطلع الراهب إلى " ميسرة " وكان يعرفه ، فقال : يا ميسرة من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ فقال : من قريش ، من أهل الحرم ، قال له الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ، ثم قال : أفي عينيه حمرة ؟ قال ميسرة : نعم ، لا تفارقه قط . قال الراهب : هذا هو ، وهو آخر الأنبياء ، ويا ليت أني أدركه حين يؤمر بالخروج ، فوعى ذلك " ميسرة " . ثم حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوق بصرى ، فباع سلعته التي خرج بها ، واشترى ، فكان بينه وبين رجل اختلاف في سلعة ، فقال له الرجل : احلف باللات والعزى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما حلفت بهما قط ، وإني لأمر بهما فأعرض [ ص: 174 ] عنهما فقال الرجل : القول قولك ، ثم قال لميسرة ، وخلا به : يا ميسرة هذا نبي ، والذي نفسي بيده إنه لهو هو ، ويجده أحبارنا منعوتا في كتبهم .

فوعى ذلك ميسرة . ثم انصرف أهل العير جميعا ، وكان ميسرة يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس ، وهو على بعيره .

قال : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجارتها قد ربحت ضعف ما كانت تربح ، وأضعفت له ما سمت له .


قال الشيخ : وما تضمن هذا الفصل من أحواله صلى الله عليه وسلم من حين تزوجت آمنة ، وحملها ، ووضعها به ، واسترضاعه ، وحضانة حليمة ظئره ، إلى أن بلغ خمسا وعشرين سنة ، المقرونة بالآيات ، دلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم بخروجها عن المتعارف والمعتاد ، مع توسم أهل الكتب وغيرهم الأمارات التي دونتها الكتب المتقدمة ، والأخبار السالفة بالبشارات به ، فترقبهم لمبعثه ومخرجه ، علامات ودلائل لمن أراد به الإيمان ، وصار به مؤمنا موقنا ، ولنبوته محققا .

التالي السابق


الخدمات العلمية