الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
221 - حدثنا سليمان بن أحمد قال : ثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني قال : حدثنا أبي قال : ثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة بن الزبير قال : لما أفسد الله عز وجل صحيفة مكرهم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فعاشوا وخالطوا الناس ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم ، ويكلم كل شريف ، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤووه ويمنعوه ، ويقول : لا أكره منكم أحدا على شيء ، من رضي الذي أدعوه إليه قبله ، ومن كرهه لم أكرهه ، إنما أريد أن تحوزوني مما يراد بي من القتل ، فتحوزوني حتى أبلغ رسالات ربي ، ويقضي الله لي ولمن صحبني بما شاء ، فلم يقبله أحد منهم ، ولا أتى على أحد من تلك القبائل إلا قالوا : قوم الرجل أعلم به ، أفترى رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه ؟ وذلك لما ادخر الله عز وجل للأنصار من البركة .

ومات أبو طالب وازداد من البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة ، فعمد إلى ثقيف يرجو أن يؤووه وينصروه ، فوجد ثلاثة نفر منهم سادة ثقيف ، وهم إخوة : عبد ياليل بن عمرو ، وحبيب بن عمرو ، ومسعود بن عمرو ، فعرض عليهم نفسه ، وشكا إليهم البلاء وما انتهك قومه منه ، فقال أحدهم : أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قط ، وقال الآخر : ، والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا كلمة واحدة أبدا لئن كنت رسولا لأنت أعظم شرفا وحقا من أن أكلمك ، وقال الآخر : أعجز الله أن يرسل غيرك ؟ ! ! وأفشوا ذلك في ثقيف - الذي قال لهم - واجتمعوا يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 296 ] ، وقعدوا له صفين على طريقه ، فأخذوا بأيديهم الحجارة ، فجعل لا يرفع رجله ولا يضعها إلا رضخوها بالحجارة ، وهم في ذلك يستهزئون ويسخرون ، فلما خلص من صفيهم وقدماه تسيلان الدماء ، عمد إلى حائط من كرومهم فأتى ظل حبلة من الكرم ، فجلس في أصلها مكروبا موجعا ، تسيل قدماه الدماء ، فإذا في الكرم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، فلما أبصرهما كره أن يأتيهما ؛ لما يعلم من عداوتهما لله ولرسوله ، وبه الذي به ، فأرسلا إليه غلامهما " عداسا " بعنب ، وهو نصراني من أهل نينوى ، فلما أتاه وضع العنب بين يديه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بسم الله ، فعجب عداس ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أي أرض أنت يا عداس ؟ قال : أنا من أهل نينوى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من أهل مدينة الرجل الصالح يونس بن متى ؟ فقال له عداس : وما يدريك من يونس بن متى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن يونس ما عرف ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحدا يبلغه رسالات الله تعالى ، قال : يا رسول الله أخبرني خبر يونس بن متى ، فلما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن يونس بن متى ما أوحي إليه من شأنه خر ساجدا للرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم جعل يقبل قدميه ، وهما تسيلان الدماء ، فلما أبصر عتبة وأخوه شيبة ما فعل غلامهما سكتا ، فلما أتاهما قالا له : ما شأنك سجدت لمحمد وقبلت قدميه ولم نرك فعلت هذا بأحد منا ؟ قال : هذا رجل صالح حدثني عن أشياء عرفتها من شأن رسول بعثه الله تعالى إلينا يدعى يونس بن متى ، فأخبرني أنه رسول الله ، فضحكا وقالا : لا يفتنك عن نصرانيتك ، إنه رجل يخدع ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة " .
[ ص: 297 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية