الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
94 - وحدثنا سليمان بن أحمد ، قال : ثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، وثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، قال : ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : ثنا مسروق بن المرزبان ، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، قالا : ثنا محمد بن إسحاق ، عن جهم بن أبي الجهم ، عن عبد الله بن جعفر ، عن حليمة بنت الحارث السعدية ، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته ، قالت : " أصابتنا سنة شهباء ، لم تبق لنا شيئا ، فخرجت في نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء بمكة على أتان لي قمراء ، فلم يبق منا امرأة إلا عرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم فتأباه ، وعرض علي فأبيته ، وذلك أن الظؤورة إنما كانوا يرجون الخير من قبل الآباء ، ويقولون : لا أب له ، وما [ ص: 156 ] عسى أن تفعل أمه ؟ فلم تبق منهن امرأة إلا أخذت رضيعا غيري ، وحان انصرافهن إلى بلادهن ، فقلت لزوجي : لو أخذت ذلك الغلام اليتيم لكان أمثل من أن أرجع بغير رضيع ، فأتيت أمه فأخذته ، فجئت إلى منزلي ، وكان لي ابن صغير ، والله لا ينام من الجوع ، فلما ألقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثديي أقبلا عليه بما شاء الله من اللبن حتى روي وروي أخوه وناما ، فقام زوجي إلى شارف لنا ، والله ما أن تبض بقطرة ، فلما وقعت يده على ضرعها ، فإذا هي حافل ، فحلب ثم أتاني ، فقال : والله يا بنت أبي ذؤيب ما أظن هذه النسمة الذي أخذناها إلا مباركة ، فأخبرني بخبر الشارف ، وأخبرته بخبر ثديي ، وما رأيت منهما ، ثم أصبحنا فغدونا ، فكنت على أتان قمراء ، والله ما أن تلحق الحمر ضعفا ، فلما أن وضعت عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت تتقدم الركب ، فيقولون : والله إن لأتانك هذي لشأنا . قالت : فقدمنا بلادنا ، بلاد سعد بن بكر لا نعرف من الله إلا البركة ، حتى إن كان راعينا لينصرف بأغنامنا حفلا ، وتأتي أغنام قومنا ما أن تبض بقطرة ، فيقولون لرعيانهم : ويحكم ، ارعوا حيث يرعى راعي بنت أبي ذؤيب . فلم نزل كذلك ، فبينما هما يوما يلعبان في بهم لنا وراء بيوتنا إذ جاء أخوه يسعى ، فقال : ذلك القرشي قد قتل . فأقبلت وأبوه فاستقبلنا ، وهو منتقع اللون ، فجعلت أضمه إلي مرة ، وأبوه مرة ، ونقول : ما شأنك ؟ فيقول : لا أدري إلا أنه أتاني رجلان ، فشقا بطني ، فساطاه ، فقال أبوه : ما أظن هذا الغلام إلا قد أصيب ، فبادري به أهله من قبل أن يتفاقم به الأمر عندنا ، [ ص: 157 ] فلم يكن له هم إلا أن أتيت مكة ، فأتيت به أمه ، فقلت : أنا ظئر ابني هذا ، قد فصلته ، وخشيت أن تقع عليه العاهة فاقبليه ، فقالت : ما لك زاهدة فيه ؟ وقد كنت قبل اليوم تسألينني أن أتركه عندك ؟ لعلك خفت على ابني الشيطان . لا تخافي هذا ، فإن ابني هذا معصوم من الشيطان ، - أو كلام هذا معناه - ، ألا أخبرك عني وعنه إني رأيت حين ولدته بأنه خرج مني نور أضاءت لي به قصور بصرى من أرض الشام - لفظ زياد البكائي - " .

التالي السابق


الخدمات العلمية