الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
215 - قال الكلبي : وأخبرني عبد الرحمن العامري ، عن أشياخ من قومه قالوا [ ص: 289 ] : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بسوق عكاظ ، فقال : ممن القوم ؟ قلنا : من بني عامر بن صعصعة ، قال : " من أي بني عامر ؟ قلنا : بنو كعب بن ربيعة قال : وكيف المنعة فيكم ؟ قلنا : لا يرام ما قبلنا ، ولا يصطلى بنارنا ، قال : فقال لهم : إني رسول الله ، فإن أتيتكم تمنعوني حتى أبلغ رسالة ربي ، ولم أكره أحدا منكم على شيء ؟ قالوا : ومن أي قريش أنت ؟ قال : من بني عبد المطلب ، قالوا : فأين أنت من بني عبد مناف ؟ قال : هم أول من كذبني وطردني ، قالوا : ، ولكنا لا نطردك ، ولا نؤمن بك ، ونمنعك حتى تبلغ رسالة ربك ، قال : فنزل إليهم القوم يتسوقون إذ أتاهم بجرة بن قيس القشيري ، فقال : من هذا الذي أراه عندكم أنكره ؟ قالوا : محمد بن عبد الله القرشي قال : ما لكم وله ؟ قالوا : زعم لنا أنه رسول الله يطلب إلينا أن نمنعه حتى يبلغ رسالة ربه ، قال : فماذا رددتم عليه ؟ قالوا : قلنا في الرحب والسعة نخرجك إلى بلادنا ، ونمنعك مما نمنع به أنفسنا ، قال بجرة : ما أعلم أحدا من أهل هذه السوق يرجع بشيء أشر من شيء ترجعون به ، ثم بدأتم لتنابذ الناس ، وترميكم العرب عن قوس واحد قومه أعلم به لو آنسوا منه خيرا لكانوا أسعد الناس به ، تعمدون إلى رهيق قوم قد طرده قومه وكذبوه فتؤوونه ، وتنصرونه ؟ فبئس الرأي رأيتم ، ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : قم فالحق بقومك ، فوالله لولا أنك عند قومي لضربت عنقك ، قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ناقته فركبها ، فغمز الخبيث بجرة شاكلتها فقمصت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فألقته وعند بني عامر يومئذ [ ص: 290 ] ضباعة بنت عامر بن قرط ، كانت من النسوة اللاتي أسلمن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمكة جاءت زائرة إلى بني عمها ، فقالت : يا آل عامر ، ولا عامر لي ، أيصنع هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم لا يمنعه أحد منكم ؟ فقام ثلاثة نفر من بني عمها إلى بجرة ، واثنان أعاناه ، فأخذ كل رجل منهم رجلا ، فجلد به الأرض ، ثم جلس على صدره ، ثم علوا وجوههم لطما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم بارك على هؤلاء ، والعن هؤلاء ، قال : فأسلم الثلاثة الذين نصروه ، فقتلوا شهداء ، وهلك الآخرون لعنا .

واسم الاثنين نفر اللذين نصرا بجرة بن فراس : حزن بن عبد الله ، ومعاوية بن عبادة .

وأما الثلاثة الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغطريف ، وغطفان ابنا سهل ، وعروة بن عبد الله .

أخبرناه عن يحيى بن صاعد قال : ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : ثنا يحيى بن سعيد الأموي حدثني محمد بن السائب الكلبي ، وفي رواية محمد بن إسحاق قال : حدثني الزهري : فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم قد كان أدركته السن حتى لا يقدر أن يوافي معهم الموسم ، فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم ، فلما قدموا عليه في ذلك ، سألهم عما كان في موسمهم ، فقالوا : جاءنا ، فتى من قريش ، ثم حدث أنه أحد بني عبد المطلب ، يزعم أنه نبي يدعونا إلى أن نمنعه ، ونقوم معه ، ونخرج به معنا [ ص: 291 ] إلى بلادنا قال : فوضع الشيخ يده على رأسه ، ثم قال : يا بني عامر هل لها من تلاف ؟ هل لذناباها من مطلب ؟ فوالذي نفس فلان بيده ما تقولها إسماعيلي قط ، إلا أنها الحق ، فأين كان رأيكم ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية