الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قصة إسلام زيد بن سعنة

48 - ثنا محمد بن أحمد بن حمدان ، قال : ثنا الحسن بن سفيان ، قال : ثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ، وثنا محمد بن علي ، قال : ثنا ابن قتيبة ، قال : ثنا محمد بن أبي السري ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، قال : ثنا محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال عبد الله بن سلام : إن الله عز وجل لما أراد هدى زيد بن سعنة قال زيد بن سعنة : إنه لم يبق من علامات النبوة شيء ، إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه ، إلا اثنتين لم أخبرهما منه ، يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب ، فأتاه [ ص: 92 ] رجل على راحلته كالبدوي ، فقال : يا رسول الله إن قرية بني فلان قد أسلموا ، ودخلوا في الإسلام ، فكنت حدثتهم أنهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدا ، وقد أصابتهم سنة وشدة وقحوط من الغيث ، وإني أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعا ، كما دخلوا فيه طمعا ، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تعينهم به . قال : فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل إلى جانبه - أراه عليا - ، فقال : ما بقي منه شيء يا رسول الله . قال زيد بن سعنة : فدنوت إليه ، فقلت له : يا محمد ، هل لك أن تبيعني تمرا معلوما من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا ؟ فقال : لا يا يهودي ، ولكن أبيعك تمرا معلوما إلى أجل كذا وكذا ، ولا أسمي حائط بني فلان ، قال : فقلت : نعم ، فبايعني ، فأطلقت همياني ، فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا ، فأعطى الرجل ، وقال : أعجل عليهم وأغثهم بها ، قال زيد بن سعنة : فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه ، فلما صلى على الجنازة ودنا من جدار ليجلس إليه ، أتيته فأخذت بجوامع قميصه وردائه ، ونظرت إليه بوجه غليظ ، وقلت : ألا تقضيني يا محمد حقي ، فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطلب إلا لمطل ، ولقد كان لي بمخالطتكم علم ، قال : فنظر إلي عمر بن الخطاب ، وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ، ثم رماني بطرفه وقال : يا عدو الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع ، وتفعل به ما أرى ؟ فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم ثم قال [ ص: 93 ] : أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر ، أن تأمرني بحسن الأداء ، وتأمره بحسن التباعة ، اذهب به يا عمر ، فاقضه حقه ، وزده عشرين صاعا مكان ما رعته .

قال زيد : فذهب بي عمر ، فقضاني حقي ، وزادني عشرين صاعا من تمر ، فقلت : ما هذه الزيادة ؟ فقال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك ، فقلت : أتعرفني يا عمر ؟ قال : لا ، فمن أنت ؟ فقلت : أنا زيد بن سعنة ، قال : الحبر ؟ قلت : الحبر ، قال : فما دعاك أن تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت ، وتفعل به ما فعلت ؟ قلت : يا عمر كل علامات النبوة قد عرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه ، إلا اثنتين لم أخبرهما منه ، يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، فقد خبرتهما ، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، وأشهدك أن شطر مالي - فإني أكثرها مالا - صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : أو على بعضهم ، فإنك لا تسعهم كلهم ؟ قلت : أو على بعضهم قال : فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال زيد : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فآمن به وصدقه وتابعه ، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة ، ثم قتل في غزاة تبوك شهيدا مقبلا غير مدبر ، رحمه الله .


التالي السابق


الخدمات العلمية