الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن نكل : قضى عليه بالنكول . نص عليه . واختاره عامة شيوخنا ) . وهو المذهب . نقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله . مريضا كان ، أو غيره . قال في الفروع : نقله واختاره الجماعة . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في المغني ، والمحرر ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم . وقال في المحرر : ويتخرج حبسه ، ليقر أو يحلف . وعند أبي الخطاب : ترد اليمين على المدعي . وقال : قد صوبه الإمام أحمد رحمه الله . [ ص: 255 ] وقال : ما هو ببعيد يحلف ويأخذ . نقل أبو طالب : ليس له أن يردها . ثم قال بعد ذلك : وما هو ببعيد : يقال له : احلف وخذ . قال في الفروع : يجوز ردها . وذكرها جماعة ، فقالوا : وعنه يرد اليمين على المدعي قال : ولعل ظاهره يجب . ولأجل هذا قال الشيخ يعني به المصنف واختاره أبو الخطاب : أنه لا يحكم بالنكول ، ولكن يرد اليمين على خصمه . وقال : قد صوبه الإمام أحمد رحمه الله ، وقال : ما هو ببعيد ، يحلف ويستحق وهي رواية أبي طالب المذكورة . وظاهرها : جواز الرد . واختار المصنف في العمدة ردها . واختاره في الهداية ، وزاد : بإذن الناكل فيه . واختاره ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : مع علم مدع وحده بالمدعي به : لهم ردها . وإذا لم يحلف لم يأخذ كالدعوى على ورثة ميت حقا عليه يتعلق بتركته . وإن كان المدعى عليه هو العالم بالمدعى به ، دون المدعي ، مثل : أن يدعي الورثة أو الوصي على غريم للميت ، فينكر : فلا يحلف المدعي . قال : وأما إن كان المدعي يدعي العلم ، والمنكر يدعي العلم : فهنا يتوجه القولان ، يعني الروايتين . فائدتان إحداهما : إذا ردت اليمين على المدعي : فهل تكون يمينه كالبينة ، أم كإقرار المدعى عليه ؟ فيه قولان . [ ص: 256 ] قال ابن القيم في الطرق الحكمية : أظهرهما عند أصحابنا : أنها كإقرار . فعلى هذا : لو أقام المدعى عليه بينة بالأداء أو الإبراء بعد حلف المدعي ، فإن قيل : يمينه كالبينة ، سمعت للمدعى عليه . وإن قيل : هي كالإقرار لم تسمع لكونه مكذبا للبينة بالإقرار . الثانية : إذ قضى بالنكول ، فهل يكون كالإقرار ، أو كالبدل ؟ فيه وجهان . قال أبو بكر في الجامع : النكول إقرار وقاله في الترغيب في القسامة على ما يأتي . وينبني عليهما ما إذا ادعى نكاح امرأة ، واستحلفناها ، فنكلت . فهل يقضى عليها بالنكول ، وتجعل زوجته ؟ إذا قلنا هو إقرار : حكم عليها بذلك . وإن قلنا : بذل ، لم يحكم بذلك . لأن الزوجية لا تستباح بالبذل . وكذا لو ادعى رق مجهول النسب . وقلنا . يستحلف . فنكل عن اليمين . وكذلك لو ادعى قذفه ، واستحلفناه فنكل فهل يحد للقذف ؟ ينبني على ذلك . ثم قال ابن القيم في الطرق الحكمية والصحيح أن النكول يقوم مقام الشاهد والبينة ، لا مقام الإقرار والبدل . لأن الناكل قد صرح بالإنكار ، وأنه لا يستحق المدعى به وهو يصر على ذلك ، فتورع عن اليمين . فكيف يقال : إنه مقر مع إصراره على الإنكار ، ويجعل مكذبا لنفسه ؟ وأيضا : لو كان مقرا لم يسمع منه نكوله بالإبراء والأداء . فإنه يكون مكذبا لنفسه . وأيضا : فإن الإقرار إخبار ، وشهادة من المرء على نفسه ، فكيف يجعل مقرا شاهدا على نفسه بسكوته ؟ والبذل إباحة وتبرع ، وهو لم يقصد ذلك . ولم يخطر على قلبه . وقد يكون المدعى عليه مريضا مرض الموت . [ ص: 257 ] فلو كان النكول بذلا وإباحة : اعتبر خروج المدعى به من الثلث . قال رحمه الله : فتبين أنه لا إقرار ولا إباحة . بل هو جار مجرى الشاهد والبينة . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية