الثاني: أن "من" مجرورة المحل عطفا على الكاف في "حسبك" وهو رأي الكوفيين، وبهذا فسر الشعبي وابن زيد، قالا: معناه: وحسب من اتبعك. الثالث: أن محله نصب على المعية. قال "ومن اتبعك" : الواو بمعنى مع، وما بعده منصوب. تقول: "حسبك وزيدا درهم" ولا تجر; لأن عطف الظاهر المجرور على المكنى ممتنع. وقال: الزمخشري:
2442 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . فحسبك والضحاك سيف مهند
والمعنى: كفاك وكفى تباعك المؤمنين [الله] ناصرا، وقال الشيخ: وهذا مخالف كلام فإنه قال: "حسبك وزيدا درهم" لما كان فيه معنى كفاك، وقبح أن يحملوه على المضمر نووا الفعل كأنه قال: بحسبك ويحسب أخاك [درهم] ، ثم قال: وفي ذلك الفعل المضمر ضمير يعود على الدرهم، والنية بالدرهم التقديم، فيكون من عطف الجمل. ولا يجوز أن يكون من باب الإعمال، لأن طلب المبتدأ للخبر وعمله [ ص: 633 ] فيه ليس من قبيل طلب الفعل أو ما جرى مجراه ولا عمله فلا يتوهم ذلك فيه. قلت: وقد سبق سيبويه إلى كونه مفعولا معه الزمخشري إلا أنه جعل "حسب" اسم فعل فإنه قال: حسب: اسم فعل، والكاف نصب، والواو بمعنى "مع" وعلى هذا يكون "الله" فاعلا، وعلى هذا التقدير يجوز في "ومن" أن يكون معطوفا على الكاف; لأنها مفعول باسم الفعل لا مجرورة; لأن اسم الفعل لا يضاف. ثم قال الشيخ: إلا أن مذهب الزجاج، خطأ لدخول العوامل على "حسب" نحو: بحسبك درهم ، وقال تعالى: الزجاج فإن حسبك الله ، ولم يثبت في موضع كونه اسم فعل فيحمل هذا عليه.
وقال بعدما حكى عن ابن عطية الشعبي وابن زيد ما قدمت عنهما من المعنى: فـ "من" في هذا التأويل في محل نصب عطفا على موضع الكاف; لأن موضعها نصب على المعنى بـ "يكفيك" الذي سدت "حسبك" مسده . قال الشيخ: هذا ليس بجيد; لأن "حسبك" ليس مما تكون الكاف فيه في موضع نصب بل هذه إضافة صحيحة ليست من نصب، و "حسبك" مبتدأ مضاف إلى الضمير، وليس مصدرا ولا اسم فاعل، إلا إن قيل إنه عطف على التوهم، كأنه توهم أنه قيل: يكفيك الله أو كفاك الله، لكن العطف على التوهم لا ينقاس، والذي ينبغي أن يحمل عليه كلام الشعبي وابن زيد أن تكون "من" مجرورة بـ "حسب" محذوفة لدلالة "حسبك" عليها كقوله: [ ص: 634 ]
2443 - أكل امرئ تحسبين أمرأ ونار توقد بالليل نارا
أي: وكل نار، فلا يكون من العطف على الضمير المجرور. قال وهذا الوجه من حذف المضاف مكروه، بابه ضرورة الشعر". قال الشيخ: وليس بمكروه ولا ضرورة، بل أجازه ابن عطية:" وخرج عليه البيت وغيره من الكلام ، قلت: قوله: "بل إضافة صحيحة ليست من نصب" فيه نظر لأن النحويين على أن إضافة "حسب" وأخواتها إضافة غير محضة، وعللوا ذلك بأنها في قوة اسم فاعل ناصب لمفعول به، فإن "حسبك" بمعنى كافيك وغيرك بمعنى مغايرك، وقيد الأوابد بمعنى مقيدها قالوا: ويدل على ذلك أنها توصف بها النكرات فقال: "مررت برجل حسبك من رجل". سيبويه
وجوز فيه الرفع من ثلاثة أوجه أحدها: أنه نسق على الجلالة كما تقدم، إلا أنه قال: فيكون خبرا آخر كقولك: "القائمان زيد وعمرو"، ولم يثن "حسبك" لأنه مصدر. وقال قوم: هذا ضعيف; لأن الواو للجمع ولا يحسن ههنا، كما لا يحسن في قولهم: "ما شاء الله وشئت". و "ثم" هنا أولى، قلت: يعني أنه من طريق الأدب لا يؤتى بالواو التي تقتضي الجمع، بل تأتي بـ "ثم" التي تقتضي التراخي، والحديث دال على ذلك. الثاني: أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: وحسب من اتبعك. والثالث: هو مبتدأ والخبر محذوف تقديره: ومن اتبعك كذلك أي: حسبهم الله. أبو البقاء
وقرأ "ومن" بسكون النون، "أتبعك" بزنة أكرمك. [ ص: 635 ] الشعبي