الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (143) قوله تعالى: ثمانية أزواج : في نصبه ستة أوجه، أحسنها: أن يكون بدلا من "حمولة وفرشا" لولا ما نقله الزجاج من الإجماع المتقدم، ولكن ليس فيه أن ذلك محصور في الإبل، والقول بالبدل هو قول [ ص: 192 ] الزجاج والفراء. والثاني: أنه منصوب بـ "كلوا" الذي قبله أي: كلوا ثمانية أزواج، ويكون قوله "ولا تتبعوا" إلى آخره كالمعترض بين الفعل ومنصوبه وهو قول علي بن سليمان وقدره: كلوا لحم ثمانية. وقال أبو البقاء: "هو منصوب بـ "كلوا" تقديره: كلوا مما رزقكم الله ثمانية أزواج، ولا تسرفوا معترض بينهما". قلت: صوابه أن يقول: "ولا تتبعوا" بدل "ولا تسرفوا" لأن "كلوا" الذي يليه "ولا تسرفوا" ليس منصبا على هذا لأنه بعيد منه، ولأن بعده ما هو أولى منه بالعمل، ويحتمل أن يكون الناسخ غلط عليه، وإنما قال هو "ولا تتبعوا" ويدل على ذلك أنه قال: "تقديره: كلوا مما رزقكم الله"، وكلوا الأول ليس بعده "مما رزقكم" إنما هو بعد الثاني. الثالث: أنه عطف على "جنات" أي: أنشأ جنات وأنشأ ثمانية أزواج، ثم حذف الفعل وحرف العطف وهو مذهب الكسائي. قال أبو البقاء: "وهو ضعيف" قلت: الأمر كذلك، وقد سمع ذلك في كلامهم نثرا ونظما، ففي النثر قولهم: "أكلت لحما سمكا تمرا" وفي نظمهم قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      2102 - كيف أصبحت كيف أمسيت مما يزرع الود في فؤاد الكريم



                                                                                                                                                                                                                                      أي: أكلت لحما وسمكا وتمرا، وكيف أصبحت وكيف أمسيت، وهذا على أحد القولين في ذلك. والقول الثاني أنه بدل بداء. ومنه الحديث: "إن الرجل ليصلي الصلاة، وما كتب له نصفها ثلثها ربعها إلى أن وصل إلى [ ص: 193 ] العشر". الرابع: أنه منصوب بفعل محذوف مدلول عليه بما في اللفظ تقديره: كلوا ثمانية أزواج، وهذا أضعف مما قبله. الخامس: أنه منصوب على الحال، تقديره: مختلفة أو متعددة، وصاحب الحال "الأنعام" فالعامل في الحال ما تعلق به الجار وهو "من" . السادس: أنه منصوب على البدل من محل "مما رزقكم الله" .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: من الضأن اثنين في نصب "اثنين" وجهان أحدهما: أنه بدل من "ثمانية أزواج" وهو ظاهر قول الزمخشري فإنه قال: والدليل عليه "ثمانية أزواج" ثم فسرها بقوله: "من الضأن اثنين" الآية. وبه صرح أبو البقاء فقال:"واثنين بدل من الثمانية وقد عطف عليه بقية الثمانية".

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه منصوب بأنشأ مقدرا، وهو قول الفارسي، و "من" تتعلق بما نصب "اثنين".

                                                                                                                                                                                                                                      والجمهور على تسكين همزة "الضأن" وهو جمع ضائن وضائنة كتاجر وتاجرة وتجر، وصاحب وصاحبة وصحب، وراكب وراكبة وركب. وقرأ الحسن وطلحة بن مصرف وعيسى بن عمر "الضأن" بفتحها، وهو إما جمع تكسير لضائن كما يقال خادم وخدم وحارس وحرس وطالب وطلب، وإما اسم جمع. ويجمع على ضئين كما يقال: كلب وكليب، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      2103 - . . . . . . . . . . . . . . .      . . . فبذت نبلهم وكليب



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الضئين والكليب اسما جمع، ويقال ضئين بكسر الضاد، وكأنها إتباع لكسر الهمزة نحو: بعير وشعير بكسر الباء والشين لكسر العين. والضأن [ ص: 194 ] معروف وهو ذو الصوف من الغنم، والمعز ذو الشعر منها. وقرأ أبان بن عثمان "اثنان" بالرفع على الابتداء، والخبر الجار قبله. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر المعز بفتح العين، والباقون بسكونها، وهما لغتان في جمع ماعز، وقد تقدم أن فاعلا يجمع على فعل تارة وعلى فعل أخرى كتاجر وتجر وخادم وخدم، وقد تقدم تحقيقه، ويجمع أيضا على معزى، وبها قرأ أبي، قال امرؤ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                      1104 - ألا إن لا تكن إبل فمعزى     كأن قرون جلتها العصي



                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو زيد: إنه يجمع على أمعوز، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      2105 - . . . . . . . . . . . . . .     كالتيس في أمعوزه المتربل



                                                                                                                                                                                                                                      ويجمع أيضا على معيز، وأنشدوا لامرئ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                      1106 - ويمنحها بنو شمجى بن جرم     معيزهم حنانك ذا الحنان



                                                                                                                                                                                                                                      والإبل: اسم جمع لا واحد له من لفظه، بل واحده جمل وناقة وبعير، ولم يجئ اسم على فعل عند سيبويه غيره، وزاد غير سيبويه بكرا وإطلا [ ص: 195 ] ووتدا ومشطا، وسيأتي لهذا مزيد بيان في الغاشية إن شاء الله، والنسبة إليه إبلي بفتح الباء لئلا يتوالى كسرتان مع ياءين.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: آلذكرين حرم الذكرين منصوب بما بعده، وسبب إيلائه الهمزة ما تقدم في قوله "أأنت قلت للناس" و "أم" عاطفة للأنثيين على الذكرين، وكذلك أم الثانية عاطفة ما الموصولة على ما قبلها فمحلها نصب تقديره: أم الذي اشتملت عليه أرحام، فلما التقت الميم ساكنة مع ما بعدها وجب الإدغام.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية