الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (123) قوله تعالى: وكذلك جعلنا قيل: "كذلك" نسق على "كذلك" قبلها ففيها ما فيها، وقدره الزمخشري بأن معناه: وكما جعلنا في مكة صناديدها ليمكروا فيها، كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ، واللام في "ليمكروا" يجوز أن تكون للعاقبة وأن تكون للعلة مجازا، و "جعل" تصييرية ، فتتعدى لاثنين، واختلف في تقديرهما، والصحيح أن تكون في كل قرية مفعولا ثانيا قدم على الأول، والأول "أكابر" مضافا لمجرميها. والثاني: أن في كل قرية مفعول أيضا مقدم، "أكابر" هو الأول و "مجرميها" بدل من "أكابر" ذكر ذلك أبو البقاء. الثالث: أن يكون "أكابر" مفعولا ثانيا قدم و "مجرميها" مفعول أول أخر، والتقدير: جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر، [ ص: 135 ] فيتعلق الجار بنفس الفعل قبله، ذكر ذلك ابن عطية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: وما أجازاه - يعني أبا البقاء وابن عطية- خطأ وذهول عن قاعدة نحوية وهي: أن أفعل التفضيل إذا كانت بـ "من" ملفوظا بها أو مقدرة أو مضافة إلى نكرة كانت مفردة مذكرة على كل حال سواء كانت لمذكر أم مؤنث مفرد أم مثنى أم مجموع، وإذا ثنيت أو جمعت أو أنثت طابقت ما هي له ولزمها أحد أمرين: إما الألف واللام وإما الإضافة لمعرفة، وإذا تقرر ذلك فالقول بكون "مجرميها" بدلا أو يكون مفعولا أول و "أكابر" مفعول ثان خطأ لاستلزام أن يبقى "أكابر" مجموعا وليست فيه ألف ولام ولا هي مضافة لمعرفة، قال: وقد تنبه الكرماني إلى هذه القاعدة فقال: أضاف "أكابر" إلى "مجرميها" لأن أفعل لا يجمع إلا مع الألف واللام أو مع الإضافة. قال الشيخ: "وكان ينبغي أن يقيد بالإضافة إلى معرفة".

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: أما هذه القاعدة فمسلمة، ولكن قد ذكر مكي مثل ما ذكر ابن عطية سواء وما أظنه أخذ إلا منه، وكذلك الواحدي أيضا، ومنع أن تجوز إضافة "أكابر" إلى "مجرميها" قال رحمه الله: والآية على التقديم والتأخير تقديره: جعلنا مجرميها أكابر، ولا يجوز أن تكون الأكابر مضافة لأنه لا يتم المعنى، ويحتاج إلى إضمار المفعول الثاني للجعل لأنك إذا قلت: "جعلت زيدا" وسكت لم يفد الكلام حتى تقول: رئيسا أو دليلا أو ما أشبه ذلك، ولأنك إذا أضفت الأكابر فقد أضفت النعت إلى المنعوت، وذلك لا يجوز عند [ ص: 136 ] البصريين. قلت: هذان الوجهان اللذان رد بهما الواحدي ليسا بشيء، أما الأول فلا نسلم أنا نضمر المفعول الثاني، وأنه يصير الكلام غير مفيد، وأما ما أورده من الأمثلة فليس مطابقا لأنا نقول: إن المفعول الثاني هنا مذكور مصرح [به] وهو الجار والمجرور السابق.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الثاني: فلا نسلم أنه من باب إضافة الصفة لموصوفها لأن المجرمين أكابر وأصاغر، فأضاف للبيان لا لقصد الوصف.

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع: أن المفعول الثاني محذوف، قالوا: وتقديره: جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها فساقا ليمكروا، وهذا ليس بشيء؛ لأنه لا يحذف شيء إلا لدليل، والدليل على ما ذكروه غير واضح. وقال ابن عطية: "ويقال أكابرة كما يقال أحمر وأحامرة" . قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      2048 - إن الأحامرة الثلاثة أتلفت ما لي وكنت بهن قدما مولعا



                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: "ولا أعلم أحدا أجاز في جمع أفضل أفاضلة، بل نص النحويون على أن أفعل التفضيل يجمع للمذكر على الأفضلين أو على الأفاضل". قلت: وهذه التاء يذكرها النحويون [على] أنها تكون دالة على النسب في مثل هذه البنية قالوا: الأزارقة والأشاعثة في الأزرق ورهطه والأشعث وبنيه، وليس بقياس، وليس هذا من ذلك في شيء. والجمهور على "أكابر" [ ص: 137 ] جمعا. وقرأ ابن مسلم: "أكبر مجرميها" بالإفراد، وهو جائز وذلك أن أفعل التفضيل إذا أضيفت لمعرفة وأريد بها غير الإفراد والتذكير جاز أن يطابق كالقراءة المشهور هنا، وفي الحديث: "أحاسنكم أخلاقا" وجاز أن يفرد، وقد أجمع على ذلك في قوله: ولتجدنهم أحرص الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية