الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (101) قوله تعالى: تلك القرى نقص : قال الزمخشري: كقوله وهذا بعلي شيخا في كونه مبتدأ وخبرا وحالا، يعني أن "تلك" مبتدأ مشار بها إلى ما بعدها، و "القرى" خبرها، و "نقص" حال أي قاصين كقوله: فتلك بيوتهم خاوية . قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى "تلك القرى" حتى يكون كلاما مفيدا؟ قلت: هو مفيد ولكن بالصفة في قولك: "هو الرجل الكريم". قلت: يعني أن الحال هنا لازمة ليفيد التركيب، كما تلزم الصفة في قولك: "هو الرجل الكريم" ألا ترى أنك لو اقتصرت على "هو الرجل" لم يكن مفيدا، ويجوز أن تكون "القرى" صفة لتلك، و "نقص" الخبر، ويجوز أن يكون "نقص" خبرا بعد خبر. و "نقص" يجوز أن يكون على حاله من الاستقبال أي: قد قصصنا عليك من أنبائها ونحن نقص عليك أيضا بعض أنبائها، وأشير بالبعد تنبيها على بعد هلاكها وتقادمه عن زمن الإخبار فهو من الغيب. وفي قوله "القرى" بأل تعظيم كقوله تعالى: "ذلك [ ص: 398 ] الكتاب"، وقول الرسول عليه السلام: "أولئك الملأ من قريش" وقول أمية:


                                                                                                                                                                                                                                      2254 - تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا



                                                                                                                                                                                                                                      و "من" للتبعيض كما تقدم، لأنه إنما قص عليه عليه السلام ما فيه عظة وانزجار دون غيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا الظاهر أن الضمائر كلها عائدة على أهل القرى، وقال يمان بن رئاب: إن الضميرين الأولين لأهل القرى، والضمير في "كذبوا" لأسلافهم. وكذا حرر ابن عطية أيضا أي: فما كان الأبناء ليؤمنوا بما كذب به الآباء وقد تقدم الكلام على لام الجحود وأن نفي الفعل معها أبلغ. و "ما" موصولة اسمية، وعائدها محذوف لأنه منصوب متصل أي: بما كذبوه. ولا يجوز أن يقدر "به" وإن كان الموصول مجرورا بالباء أيضا لاختلاف المتعلق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال هنا بما كذبوا فلم يذكر متعلق التكذيب، وفي يونس ذكره فقال: بما كذبوا به ، والفرق أنه لما حذفه في قوله ولكن كذبوا استمر [ ص: 399 ] حذفه بعد ذلك، وأما في يونس فقد أبرزه في قوله فكذبوه فنجيناه ، كذبوا بآياتنا فناسب ذكره موافقة. قال معناه الكرماني.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: كذلك يطبع الله أي: مثل ذلك الطبع على قلوب أهل القرى المنتفي عنهم الإيمان يطبع الله على قلوب الكفرة الجائين بعدهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية