الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (177) قوله تعالى: ساء مثلا : "ساء" بمعنى بئس، وفاعلها مضمر فيها و "مثلا" تمييز مفسر له، وقد تقدم غير مرة أن فاعل هذا الباب إذا كان ضميرا يفسر بما بعده ويستغنى عن تثنيته وجمعه وتأنيثه بتثنية التمييز وجمعه وتأنيثه عند البصريين. وتقدم أن "ساء" أصلها التعدي لمفعول، والمخصوص بالذم لا يكون إلا من جنس التمييز ، والتمييز مفسر للفاعل فهو هو، فلزم أن يصدق الفاعل والتمييز والمخصوص على شيء واحد. إذا عرف هذا فقوله "القوم" غير صادق على التمييز والفاعل، فلا جرم أنه لا بد من تقدير محذوف: إما من التمييز، وإما من المخصوص، فالأول يقدر: ساء أصحاب مثل، أو أهل مثل القوم، والثاني يقدر: ساء مثلا مثل القوم، ثم حذف المضاف في التقديرين وأقيم المضاف إليه مقامه، وهذه الجملة تأكيد للتي قبلها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن والأعمش وعيسى بن عمر: "ساء مثل القوم" برفع "مثل" مضافا للقوم. والجحدري روي عنه كذلك، وروي عنه كسر الميم وسكون الثاء ورفع اللام وجر القوم. وهذه القراءة المنسوبة لهؤلاء الجماعة تحتمل وجهين، أحدهما: أن تكون "ساء" للتعجب مبنية تقديرا على فعل بضم العين كقولهم: "لقضو الرجل"، و "مثل القوم" فاعل بها، والتقدير: ما أسوأ مثل [ ص: 519 ] القوم، والموصول على هذا في محل جر نعتا لقوم. والثاني: أنها بمعنى بئس، ومثل القوم فاعل، والموصول على هذا في محل رفع لأنه المخصوص بالذم، وعلى هذا فلا بد من حذف مضاف ليتصادق الفاعل والمخصوص على شيء واحد. والتقدير: ساء مثل القوم مثل الذين. وقدر الشيخ تمييزا في هذه القراءة وفيه نظر، إذ لا يحتاج إلى تمييز إذا كان الفاعل ظاهرا حتى جعلوا الجمع بينهما ضرورة كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2340 - تزود مثل زاد أبيك فينا فنعم الزاد زاد أبيك زادا



                                                                                                                                                                                                                                      وفي المسألة ثلاثة مذاهب: الجواز مطلقا، والمنع مطلقا، والتفصيل: فإن كان مغايرا للفظ ومفيدا فائدة جديدة جاز نحو: نعم الرجل شجاعا زيد، وعليه قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2341 - تخيره فلم يعدل سواه     فنعم المرء من رجل تهامي



                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وأنفسهم كانوا يظلمون مفعول لـ "يظلمون"، وفيه دليل على تقديم خبر كان عليها; لأن تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل غالبا. وقلت "غالبا" لأن ثم مواضع يمتنع فيها ذلك نحو فأما اليتيم فلا تقهر فاليتيم مفعول بـ "تقهر" ولا يجوز تقديم "تقهر" على جازمه، وهو محتمل للبحث.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الجملة الكونية تحتمل وجهين، أحدهما: أن تكون نسقا على الصلة وهي "كذبوا بآياتنا". والثاني: أن تكون مستأنفة، وعلى كلا القولين [ ص: 520 ] فلا محل لها، وقدم المفعول ليفيد الاختصاص، وهذا على طريق الزمخشري وأنظاره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية