الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (101) قوله تعالى: بديع : قرأ الجمهور برفع العين، وفيها [ ص: 88 ] ثلاثة أوجه، أظهرها: أنه خبر مبتدإ محذوف أي: هو بديع، فيكون الوقف على قوله "والأرض" فهي جملة مستقلة بنفسها. الثاني: أنه فاعل بقوله "تعالى" ، أي تعالى بديع السماوات، وتكون هذه الجملة الفعلية معطوفة على الفعل المقدر قبلها وهو الناصب لسبحان فإن "سبحان" كما تقدم من المصادر اللازم إضمار ناصبها. الثالث: أنه مبتدأ وخبره ما بعده من قوله أنى يكون له ولد . وقرأ المنصور "بديع" بالجر، قال الزمخشري: "ردا على قوله وجعلوا لله أو على سبحانه" كذا قاله، ولم يبين على أي وجه من وجوه الإعراب هو، وكذا الشيخ حكاه عنه ومر عليه، ويريد بالرد كونه تابعا إما: لله، أو للضمير المجرور في "سبحانه" ، وتبعيته له على كونه بدلا من "لله" أو من الهاء في "سبحانه" ، ويجوز أن يكون نعتا لله على أن تكون إضافة "بديع" محضة كما ستعرفه، وأما تبعيته للهاء فيتعين أن يكون بدلا، ويمتنع أن يكون نعتا وإن اعتقدنا تعريفه بالإضافة لمعارض آخر: وهو أن الضمير لا ينعت، إلا ضمير الغائب على رأي الكسائي، فعلى رأيه قد يجوز ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو صالح الشامي "بديع" نصبا، ونصبه على المدح وهي تؤيد قراءة الجر. وقراءة الرفع المتقدمة يحتمل أن يكون أصلها الإتباع بالجر على البدل ثم قطع التابع رفعا. وبديع يجوز أن يكون بمعنى مبدع، وقد سبق معناه، أو يكون صفة مشبهة أضيفت لمرفوعها كقولك: فلان بديع الشعر أي: بديع شعره، وعلى هذين القولين فإضافته لفظية لأنه في الأول من باب إضافة اسم الفاعل لمنصوبه، وفي الثاني من باب إضافة الصفة المشبهة لمرفوعها، ويجوز أن يكون بمعنى عديم النظير والمثل فيهما، كأنه قيل: البديع في السماوات [ ص: 89 ] والأرض، فالإضافة على هذا إضافة محضة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أنى يكون له ولد أنى بمعنى كيف أو من أين، وفيها وجهان أحدهما: أنها خبر كان الناقصة و "له" في محل نصب على الحال، و "ولد" اسمها، ويجوز أن تكون منصوبة على التشبيه بالحال أو الظرف كقوله "كيف تكفرون بالله" والعامل فيها قال أبو البقاء: "يكون" ، وهذا على رأي من يجيز في "كان" أن تعمل في الأحوال والظروف وشبههما، و "له" خبر يكون و "ولد" اسمها. ويجوز في "يكون" أن تكون تامة، وهذا أحسن، أي: كيف يوجد له ولد وأسباب الولدية منتفية؟

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولم تكن له صاحبة هذه الواو للحال، والجملة بعدها في محل نصب على الحال من مضمون الجملة المتقدمة أي: كيف يوجد له ولد والحال أنه لم يكن له زوج، وقد علم أن الولد إنما يكون من بين ذكر وأنثى وهو منزه عن ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      والجمهور على "تكن" بالتاء من فوق. وقرأ النخعي بالياء من تحت وفيه أربعة أوجه، أحدها: أن الفعل مسند إلى "صاحبة" أيضا كالقراءة المشهورة، وإنما جاز التذكير للفصل كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2024 - لقد ولد الأخيطل أم سوء . . . . . . . . . . . . .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 90 ] وقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2025 - إن امرأ غره في الدنيا واحدة     بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور



                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عطية: "وتذكير كان وأخواتها مع تأنيث اسمها أسهل من ذلك في سائر الأفعال" . قال الشيخ: "ولا أعرف هذا عن النحويين ولم يفرقوا بين كان وغيرها" . قلت: هذا كلام صحيح، ويؤيده أن الفارسي وإن كان يقول بحرفية بعضها كـ ليس فإنه لا يجيز حذف التاء منها، لو قلت: "ليس هند قائمة" لم يجز. الثاني: أن في "يكون" ضميرا يعود على الله تعالى، و "له" خبر مقدم، و "صاحبة" مبتدأ مؤخر، والجملة خبر "يكون" . الثالث: أن يكون "له" وحده هو الخبر، و "صاحبة" فاعل به لاعتماده وهذا أولى مما قبله; لأن الجار أقرب إلى المفرد، والأصل في الأخبار الإفراد. الرابع: أن في "يكون" ضمير الأمر والشأن و "له" خبر مقدم، و "صاحبة" مبتدأ مؤخر، والجملة خبر "يكون" مفسرة لضمير الشأن، ولا يجوز في هذا أن يكون "له" هو الخبر وحده و "صاحبة" فاعل به كما جاز في الوجه قبله. والفرق أن ضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة صريحة، وقد تقدم أن هذا النوع من قبيل المفردات. و "تكن" يجوز أن تكون الناقصة أو التامة حسبما تقدم فيما قبلها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وخلق كل شيء هذه جملة إخبارية مستأنفة، ويجوز أن تكون حالا، وهي حال لازمة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية