الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (119) قوله تعالى: وما لكم : مبتدأ وخبر، وقوله "ألا تأكلوا" فيه قولان أحدهما: هو على حذف حرف الجر أي: أي شيء استقر في منع الآكل مما ذكر اسم الله عليه، وهو قول أبي إسحاق الزجاج، فلما حذفت "في" جرى القولان المشهوران، ولم يذكر الزمخشري غير هذا [ ص: 129 ] الوجه. والثاني: أنها في محل نصب على الحال والتقدير: وأي شيء لكم تاركين للأكل، ويؤيد ذلك وقوع الحال الصريحة في مثل هذا التركيب كثيرا نحو: فما لهم عن التذكرة معرضين إلا أن هذا مردود بوجهين أحدهما: أن "أن" تخلص الفعل للاستقبال فكيف يقع ما بعدها حالا؟ والثاني: أنها مع ما بعدها مؤولة بالمصدر وهو أشبه بالمضمرات كما تقدم تحريره، والحال إنما تكون نكرة. قال أبو البقاء: "إلا أن يقدر حذف مضاف فيجوز أي: "وما لكم ذوي أن لا تأكلوا"، وفيه تكلف، ومفعول "تأكلوا" محذوف بقيت صفته، تقديره: شيئا مما ذكر اسم الله، ويجوز أن لا يراد مفعولا، بل المراد وما لكم أن لا يقع منكم الأكل، وتكون "من" لابتداء الغاية أي: أن لا تبتدئوا بالأكل من المذكور عليه اسم الله، وزعم أن "لا" مزيدة، وهذا فاسد إذ لا داعي لزيادتها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وقد فصل لكم ما حرم قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ببنائهما للمفعول، ونافع وحفص عن عاصم ببنائهما للفاعل، وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ببناء الأول للفاعل وبناء الثاني للمفعول، ولم يأت عكس هذه. وقرأ عطية العوفي كقراءة الأخوين، إلا أنه خفف الصاد من "فصل"، والقائم مقام الفاعل هو الموصول، وعائده من قوله "حرم عليكم" . والفاعل في قراءة من بنى للفاعل ضمير الله تعالى، والجملة في محل نصب على الحال.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إلا ما اضطررتم فيه وجهان أحدهما: أنه استثناء منقطع، قاله ابن [ ص: 130 ] عطية والحوفي. والثاني: أنه استثناء متصل. قال أبو البقاء: "ما" في موضع نصب على الاستثناء من الجنس من طريق المعنى لأنه وبخهم بترك الأكل مما سمي عليه، وذلك يتضمن الإباحة مطلقا. قلت: الأول أوضح والاتصال قلق المعنى. ثم قال: "وقوله وقد فصل لكم ما حرم عليكم أي: في حال الاختيار وذلك حلال حال الاضطرار".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله ليضلون قرأ الكوفيون بضم الياء، وكذا التي في يونس ربنا ليضلوا والباقون بالفتح، وسيأتي لذلك نظائر في إبراهيم وغيرها، والقراءتان واضحتان فإنه يقال: ضل في نفسه وأضل غيره، فالمفعول محذوف على قراءة الكوفيين، وهي أبلغ في الذم فإنها تتضمن قبح فعلهم حيث ضلوا في أنفسهم وأضلوا غيرهم كقوله تعالى: وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل وقراءة الفتح لا تحوج إلى حذف فرجحها بعضهم بهذا، وأيضا فإنهم أجمعوا على الفتح في ص عند قوله إن الذين يضلون عن سبيل الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: بأهوائهم متعلق بيضلون، والباء سببية أي: بسبب اتباعهم أهواءهم وشهواتهم. وقوله "بغير علم" متعلق بمحذوف لأنه حال أي: يضلون مصاحبين للجهل أي: ملتبسين بغير علم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية