الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (115) قوله تعالى: صدقا وعدلا : في نصبهما ثلاثة أوجه أحدها: أن يكونا مصدرين في موضع الحال أي: تمت الكلمات صادقات في الوعد عادلات في الوعيد. الثاني: أنهما نصبا على التمييز، قال ابن عطية: "وهو غير صواب". وممن قال بكونه تمييزا الطبري وأبو البقاء. الثالث: أنهما نصبا على المفعول من أجله أي: تمت لأجل الصدق والعدل الواقعين منهما، وهو محل نظر، ذكر هذا الوجه أبو البقاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الكوفيون هنا وفي يونس في قوله كذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا ، إن الذين حقت عليهم كلمت ربك موضعان، وفي غافر: وكذلك حقت كلمت ربك "كلمة" بالإفراد، وافقهم ابن كثير وأبو عمرو على ما في يونس وغافر دون هذه السورة، والباقون بالجمع في المواضع الثلاثة. قال الشيخ: "قرأ الكوفيون هنا وفي يونس في الموضعين وفي [ ص: 125 ] المؤمن "كلمة" بالإفراد، ونافع جميع ذلك "كلمات" بالجمع، تابعه أبو عمرو وابن كثير هنا، قلت: كيف نسي ابن عامر؟ لا يقال إنه قد أسقطه الناسخ وكان الأصل "ونافع وابن عامر" لأنه قال "تابعه" ولو كان كذلك لقال "تابعهما" . ووجه الإفراد إرادة الجنس وهو نظير: رسالته ورسالاته. وقراءة الجمع ظاهرة لأن كلماته تعالى متبوعة بالنسبة إلى الأمر والنهي والوعد والوعيد، وقد أجمع على الجمع في قوله لا مبدل لكلماته ، ولا مبدل لكلمات الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله لا مبدل لكلماته : يحتمل أن لا يكون لها محل من الإعراب لأنها مستأنفة، وأن تكون جملة حالية من فاعل "تمت" . فإن قلت: فأين الرابط بين ذي الحال والحال؟ فالجواب أن الربط حصل بالظاهر، والأصل: لا مبدل لها، وإنما أبرزت ظاهرة تعظيما لها ولإضافتها إلى لفظ الجلالة الشريفة. قال أبو البقاء: "ولا يجوز أن يكون حالا من "ربك" لئلا يفصل بين الحال وصاحبها بالأجنبي وهو "صدقا وعدلا" إلا أن يجعل "صدقا وعدلا" حالا من "ربك" لا من "الكلمات". قلت: فإنه إذا جعل "صدقا وعدلا" حالا من "ربك" لم يلزم منه فصل لأنهما حالان لذي حال، ولكنه قاعدته تمنع تعدد الحال لذي حال واحدة، وتمنع أيضا مجيء الحال من المضاف إليه، وإن كان المضاف بعض الثاني، ولم يمنع هنا بشيء من ذلك. والرسم في "كلمات" في المواضع التي أشرت إلى اختلاف القراء فيها محتمل لخلافهم، فإنه في المصحف الكريم من غير ألف بعد الميم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية