الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (56) قوله تعالى: خوفا وطمعا : حالان أي ادعوه ذوي خوف وطمع، أو خائفين طامعين، أو مفعولان من أجلهما أي: لأجل الخوف والطمع.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: قريب إنما لم يؤنثها وإن كانت خبرا عن مؤنث لوجوه منها: أنها في معنى الغفران فحملت عليه، قاله النضر بن شميل واختاره أبو إسحاق. [ ص: 345 ] ومنها: أنها صفة لموصوف مذكر حذف وبقيت صفته، والتقدير: إن رحمة الله شيء قريب. ومنها: أنها في معنى العفو أو المطر أو الرحم. ومنها: أنها بمعنى النسب أي ذات قرب كحائض أي ذات حيض. ومنها: تشبيه فعيل بمعنى فاعل بفعيل بمعنى مفعول فيستوي فيه المذكر والمؤنث كجريح، كما حمل هذا عليه حيث قالوا: أسير وأسراء، وقبيل وقبلاء، حملا على رحيم ورحماء وعليم وعلماء وحكيم وحكماء. ومنها: أنه مصدر جاء على فعيل كالنقيق وهو صوت الضفدع والضغيب وهو صوت الأرنب، وإذا كان مصدرا لزم الإفراد والتذكير. ومنها: أنها بمعنى مفعول أي مقربة قاله الكرماني وليس بجيد; لأن فعيلا بمعنى مفعول لا ينقاس، وعلى تقدير اقتياسه فإنما يكون من الثلاثي المجرد لا من المزيد فيه، ومقربة من المزيد فيه. ومنها: أنه من باب المؤنث المجازي فلذلك جاز التذكير كطلع الشمس. قال بعضهم: وهو غير جيد لأن ذلك حيث كان الفعل متقدما نحو: طلع الشمس، أما إذا تأخر وجب التأنيث إلا في ضرورة شعر كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2215 - . . . . . . . . . . . . . . ولا أرض أبقل إبقالها



                                                                                                                                                                                                                                      قلت: وهذا يجيء على مذهب ابن كيسان فإنه لا يقصر ذلك على ضرورة الشعر بل يجيزه في السعة. وقال الفراء: "قريبة وبعيدة": إما أن يراد بها النسب وعدمه فتؤنثها العرب ليس إلا، فيقولون: فلانة قريبة مني أي في النسب، وبعيدة مني أي في النسب، أما إذا أريد القرب في المكان فإنه يجوز الوجهان; لأن قريبا وبعيدا قائم مقام المكان فتقول: فلانة قريبة وقريب، وبعيدة وبعيد. التقدير: هي في مكان قريب وبعيد. وأنشد: [ ص: 346 ]

                                                                                                                                                                                                                                      2216 - عشية لا عفراء منك قريبة     فتدنو ولا عفراء منك بعيد



                                                                                                                                                                                                                                      فجمع بين اللغتين. إلا أن الزجاج رد على الفراء قوله، وقال: "هذا خطأ لأن سبيل المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما". قلت: "وقد كثر في شعر العرب مجيء هذه اللفظة مذكرة وهي صفة لمؤنث قال امرؤ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                      2217 - له الويل إن أمسى ولا أم سالم     قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا



                                                                                                                                                                                                                                      وفي القرآن: وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا وقال أبو عبيدة: قريب في الآية ليس وصفا لها، إنما هو ظرف لها وموضع، فيجيء هكذا في المؤنث والاثنين والجميع، فإن أريد بها الصفة وجبت المطابقة، ومثلها لفظة "بعيد" أيضا. إلا أن علي بن سليمان الأخفش خطأه قال: لأنه لو كانت ظرفا لانتصب كقولك: "إن زيدا قريبا منك". وهذا ليس بخطأ لأنه يجوز أن يتسع في الظرف فيعطى حكم الأسماء الصريحة فتقول: زيد أمامك وعمرو خلفك برفع أمام وخلف، وقد نص النحاة على أن نحو "إن قريبا منك زيد" أن "قريبا" اسم إن، و "زيد" خبرها، وذلك على الاتساع. و "من المحسنين" متعلق بـ "قريب".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية