الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (156) قوله تعالى: أن تقولوا : فيه وجهان أحدهما: أنه مفعول من أجله. قال الشيخ: والعامل فيه "أنزلناه" مقدرا مدلولا عليه بنفس "أنزلناه" الملفوظ به تقديره: أنزلناه أن تقولوا. قال: ولا جائز أن يعمل فيه "أنزلناه" الملفوظ به لئلا يلزم الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي، وذلك أن "مبارك" : إما صفة وإما خبر وهو أجنبي بكل من التقديرين، وهذا الذي منعه هو ظاهر قول الكسائي والفراء. والثاني: أنها مفعول به، والعامل فيه "واتقوا" أي: واتقوا قولكم كيت وكيت، وقوله "لعلكم ترحمون" معترض جار مجرى التعليل، وعلى كونه مفعولا من أجله يكون تقديره عند البصريين على حذف مضاف تقديره: كراهة أن تقولوا، وعند الكوفيين يكون تقديره: أن لا تقولوا [ ص: 230 ] كقوله: رواسي أن تميد بكم أي: أن لا تميد بكم وهذا مطرد عندهم في هذا النحو، وقد تقدم ذلك غير مرة. وقرأ الجمهور "تقولوا" بتاء الخطاب وقرأه ابن محيصن "يقولوا" بياء الغيبة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وإن كنا "إن" مخففة من الثقيلة عند البصريين، وهي هنا مهملة ولذلك وليتها الجملة الفعلية، وقد تقدم تحقيق ذلك، وأن الكوفيين يجعلونها بمعنى "ما" النافية، واللام بمعنى إلا، والتقدير: ما كنا عن دراستهم إلا غافلين. وقال الزجاج بمثل ذلك، فنحا نحو الكوفيين. وقال قطرب: "إن" بمعنى "قد" واللام زائدة. وقال الزمخشري بعد أن قرر مذهب البصريين كما قدمته: "والأصل: إنه كنا عن عبادتهم" فقدر لها اسما محذوفا هو ضمير الشأن، كما يقدر النحويون ذلك في "أن" بالفتح إذا خففت، وهذا مخالف لنصوصهم وذلك أنهم نصوا على أن "إن" بالكسر إذا خففت وليتها الجملة الفعلية الناسخة فلا عمل لها لا في ظاهر ولا مضمر. و "عن دراستهم" متعلق بخبر "كنا" وهو "غافلين" ، وفيه دلالة على بطلان مذهب الكوفيين في زعمهم أن اللام بمعنى إلا، ولا يجوز أن يعمل ما بعد "إلا" فيما قبلها فكذلك ما هو بمعناها.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: ولهم أن يجعلوا "عنها" متعلقا بمحذوف. وتقدم أيضا خلاف أبي علي في أن هذه اللام ليست لام الابتداء بل لام أخرى، "ويدل أيضا على أن اللام لام ابتداء لزمت للفرق فجاز أن يتقدم معمولها [ ص: 231 ] عليها لما وقعت في غير ما هو لها أصل، كما جاز ذلك في: "إن زيدا طعامك لآكل" حيث وقعت في غير ما هو لها أصل، ولم يجز ذلك فيها إذا وقعت فيما هو لها أصل وهو دخولها على المبتدأ. وقال أبو البقاء: واللام في "لغافلين" عوض أو فارقة بين إن وما. قلت: قوله "عوض" عبارة غريبة، وأكثر ما يقال إنها عوض عن التشديد الذي ذهب من إن، وليس بشيء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية