الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (46) قوله تعالى: وبينهما : أي: بين أصحاب الجنة وأصحاب النار، وهذا هو الظاهر لقوله فضرب بينهم بسور . وقيل: بين الجنة والنار، وبه بدأ الزمخشري. وقوله: وعلى الأعراف قال الزمخشري: "أي: وعلى أعراف الحجاب" كأنه جعل أل عوضا من الإضافة وهو مذهب كوفي، وقد تقدم تحقيقه. وجعل بعضهم نفس الأعراف هي نفس الحجاب المتقدم ذكره، عبر عنه تارة بالحجاب وتارة بالأعراف. قال الواحدي: ولم يذكر غيره "ولذلك عرفت الأعراف لأنه عنى بها الحجاب".

                                                                                                                                                                                                                                      والأعراف جمع عرف بضم العين، وهو كل مرتفع من أرض وغيرها استعارة من عرف الديك وعرف الفرس، كأنه عرف بارتفاعه دون الأشياء المنخفضة فإنها مجهولة غالبا، قال أمية بن أبي الصلت:


                                                                                                                                                                                                                                      2201 - وآخرون على الأعراف قد طمعوا في جنة حفها الرمان والخضر

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 329 ] ومثله أيضا قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2202 - كل كناز لحمه نياف     كالجبل الموفي على الأعراف



                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر وهو الشماخ:


                                                                                                                                                                                                                                      2203 - فظلت بأعراف تعادى كأنها     رماح نحاها وجهة الريح راكز



                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يعرفون في محل رفع نعتا لرجال. و "كلا" أي: كل فريق من أصحاب الجنة وأصحاب النار. وقوله: أن سلام عليكم كقوله: أن لعنة الله على الظالمين إلا أنه لم يقرأ هنا إلا بأن الخفيفة فقط.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ونادوا هذا الضمير وما بعده لرجال. وقوله لم يدخلوها في هذه الجملة أوجه، أحدها: أنها حال من فاعل "نادوا" أي: نادى أهل الأعراف حال كونهم غير داخلين الجنة. وقوله "وهم يطمعون" يحتمل أن يكون حالا من فاعل "يدخلوها" ثم لك اعتباران بعد ذلك، الأول: أن يكون المعنى: لم يدخلوها طامعين في دخولها بل دخلوها على يأس من دخولها. والثاني: أن المعنى: لم يدخلوها حال كونهم طامعين أي: لم يدخلوا بعد، وهم في وقت عدم الدخول طامعون، ويحتمل أن يكون مستأنفا أخبر عنهم بأنهم طامعون في الدخول.

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثاني: أن يكون حالا من مفعول "نادوا" أي: نادوهم حال كونهم غير داخلين. وقوله: "وهم يطمعون" على ما تقدم آنفا. والوجه [ ص: 330 ] الثالث: أن تكون في محل رفع صفة لـ رجال قاله الزمخشري. وفيه ضعف من حيث إنه فصل فيه بين الموصوف وصفته بجملة قوله: "ونادوا" وليست جملة اعتراض. والوجه الرابع: أنها لا محل لها من الإعراب لأنها جواب سائل سأل عن أصحاب الأعراف فقال: ما صنع بهم؟ فقيل: لم يدخلوها وهم يطمعون في دخولها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مكي كلاما عجيبا وهو أن قال: إن حملت المعنى على أنهم دخلوها كان "وهم يطمعون" ابتداء وخبرا في موضع الحال من المضمر المرفوع في "يدخلوها"، معناه: أنهم يئسوا من الدخول فلم يكن لهم طمع في الدخول، لكن دخلوا وهم على يأس من ذلك، فإن حملت معناه أنهم لم يدخلوا بعد ولكنهم يطمعون في الدخول برحمة الله كان ابتداء وخبرا مستأنفا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم: جملة قوله: "لم يدخلوها" من كلام أصحاب الجنة، وجملة قوله: "وهم يطمعون" من كلام الملائكة. قال عطاء عن ابن عباس: "إن أصحاب الأعراف ينادون أصحاب الجنة بالسلام، فيردون عليهم السلام، فيقول أصحاب الجنة للخزنة: ما لأصحابنا على أعراف الجنة لم يدخلوها؟ فيقول لهم الملائكة جوابا لهم وهم يطمعون"، وهذا يبعد صحته عن ابن عباس إذ لا يلائم فصاحة القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      والطمع هنا يحتمل أن يكون على بابه، وأن يكون بمعنى اليقين. قالوا: لقوله تعالى حكاية عن إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام: والذي أطمع أن يغفر وقال: [ ص: 331 ]

                                                                                                                                                                                                                                      2204 - وإني لأطمع أن الإله     قدير بحسن يقيني يقيني



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية