الثاني: أنها للتعليل بمعنى اللام أي: ولذلك الإنكار الصادر منه عليهم، والدعاء إلى الله في زمن كان يدعى فيه غير الله آلهة نريه ملكوت. الثالث: أن الكاف في محل رفع على خبر ابتداء مضمر أي: والأمر كذلك أي: ما رآه من ضلالتهم، نقل الوجهين الأخيرين أبو البقاء وغيره.
"ونري" هذا مضارع، والمراد به حكاية حال ماضية، ونري يحتمل أن تكون المتعدية لاثنين، لأنها في الأصل بصرية، فأكسبتها همزة النقل مفعولا ثانيا، وجعلها ابن عطية منقولة من رأى بمعنى عرف، وكذلك [ ص: 6 ] الزمخشري فإنه قال فيما قدمت حكايته عنه "ومثل ذلك التعريف نعرف". قال الشيخ بعد حكايته كلام ابن عطية: ويحتاج كون "رأى" بمعنى عرف ثم يتعدى بالهمزة إلى مفعولين إلى نقل ذلك عن العرب، والذي نقل النحويون أن "رأى" إذا كانت بصرية تعدت لمفعول، وإذا كانت بمعنى "علم" الناصبة لمفعولين تعدت إلى مفعولين. قلت: العجب كيف خص بالاعتراض ابن عطية دون أبي القاسم. وهذه الجملة المشتملة على التشبيه أو التعليل معترضة بين قوله وإذ قال إبراهيم منكرا على أبيه وقومه عبادة الأصنام وبين الاستدلال عليهم بوحدانية الله تعالى، ويجوز أن لا تكون معترضة إن قلنا إن قوله " فلما " عطف على ما قبله وسيأتي.
والملكوت مصدر على فعلوت بمعنى الملك، وبني على هذه الزنة، والزيادة للمبالغة وقد تقدم ذلك عند ذكر الطاغوت. والجمهور على ملكوت بفتح اللام، وقرأ أبو السمال بسكونها وهي لغة. والجمهور أيضا على "ملكوت" بتاء مثناة، وعكرمة قرأها مثلثة وقال: "أصلها ملكوث باليونانية أو بالنبطية" وعن النخعي هي ملكوث بالعبرانية، قلت: وعلى هذا قراءة الجمهور يحتمل أن تكون هذا، وإنما عربت الكلمة فتلاعبوا بها، وهذا كما قالوا في اليهود: إنهم سموا بذلك لأجل يهوذا بن يعقوب بذال معجمة، ولكن لما عربته العرب أتوا بالدال المهملة، إلا أن الأحسن أن يكون مشتقا من الملك؛ لأن هذه الزنة وردت في المصادر كالرغبوت والرهبوت والجبروت والطاغوت. وهل يختص ذلك بملك الله تعالى أم يقال له ولغيره؟ فقال الراغب: " والملكوت مختص بملك الله تعالى، وهذا الذي ينبغي". وقال [ ص: 7 ] الشيخ: "و من كلامهم: له ملكوت اليمن وملكوت العراق " فعلى هذا لا يختص.
والجمهور أيضا على "نرى" بنون العظمة، وقرئ: "ترى" بتاء من فوق، "إبراهيم" نصبا، "ملكوت" رفعا أي: تريه دلائل الربوبية فأسند الفعل إلى الملكوت مؤولا بمؤنث فلذلك أنث فعله.
قوله: "وليكون" فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن الواو زائدة أي: نريه ليكون من الموقنين بالله، فاللام متعلقة بالفعل قبلها، إلا أن زيادة الواو ضعيفة، ولم يقل بها إلا الأخفش وفرقة تبعته. الثاني: أنها علة لمحذوف أي: وليكون أريناه ذلك. الثالث: أنها عطف على علة محذوفة أي: ليستدل وليكون أو ليقيم الحجة على قومه.
والصنم لغة: كل جثة صورت من نحاس أو فضة وعبدت متقربا بها إلى الله.و قيل: ما اتخذ من صفر ورمث وحجر ونحوها فصنم، وما اتخذ من خشب فوثن، وقيل: بل هما بمعنى واحد. وقيل: الصنم معرب من شمن. والصنم أيضا العبد الغوي، وهو أيضا خبث الرائحة. ويقال: صنم أي: صور ويضرب به المثل في الحسن. قال:
1960 - ما دمية من مرمر صورت أو ظبية في خمر عاطف أحسن منها يوم قالت لنا
والدمع من مقلتها واكف [ ص: 8 ] لأنت أحلى من لذيذ الكرى
ومن أمان ناله خائف.


